إضراب موظفي الإدارات الرسمية، في لبنان، هو حقٌّ صُراح، لا يجادل فيه اثنان أو يختلفان عليه. وهذا الأمر لا يحتاج الى طويل شرح، فالأزمة الاقتصادية التي ضربت المواطن اللبناني في صميم قدراته واضحة وضوح الشمس في قارعة النهار، وهي تتفاقم يومياً من سيىء الى أسوأ، وتتحدث عن ذاتها في كل لحظة، من لقمة الكرامة الى سائر موجبات الحياة ومتطلباتها، ما يفوق بأضعاف مضاعفة قدرة الكاهل على الاحتمال، وهو الذي ينوء عن حملها، أيّاً كانت مسارات الاستهلاك اليومي، وما يرافقها من موجبات كالعلم، والطبابة والاستشفاء، والدواء والمحروقات (للنقليات وسائر استخدامها)…
ونحن نؤيد هذا الإضراب من حيث المبدأ، إلّا أننا نود أن نلفت اهتمام المضربين، وهم ينتمون الى كل بيت في لبنان تقريباً، الى أن عدم تنظيم الإضراب، أقله من حيث الحاجة فيه الى بعض الثغرات واجبة الوجود، من شأنه أن يضع اللبناني في «بوز المدفع»، مدفع تفاقم الحاجة الملحاح، الى المرتّبات والتعويضات، وسائر المستحقّات، ما قد يحوّل النقمة الى حيث لا يجب تحويلها، أي أن النقمة قد توجَّه، الى المضربين أنفسهم، بدلاً من ان تنصَبّ على المسؤولين في السلطة، وأيضاً الى جميع الذين علقوا هذا الشعب الصابر، المكابد، المعاني(…) على أعواد الذل والجوع والقهر من خلال الممارسات الخاطئة، والتجاوزات، والارتكابات، والانتهاكات، والسرقات، وسائر مسالك الفساد…
وفي تقديرنا أنه لا تجوز مقاربة هذا الموضوع الحسّاس من دون أن نهمس في آذان المضربين، وهم ينتمون تقريباً الى كل بيت في لبنان، بألّا يقعوا في أحبولة زيادة الأجور من دون ان ترافقها سلّةٌ من التدابير الضرورية جدّاً، وفي طليعتها ضبط سعر صرف العملة، وأيضاً توحيدُه، وكذلك إرساؤه عند معدّلٍ مقبول، وألا يكونون قد وقعوا في المحظور على غرار مَن يلحس المبرد، لان الزيادة ستطير، قيمةً ومفعولاً، حتى من قبل أن تدخل جيوب المفتَرَض أنه تقررت من أجلهم. ولنا في همروجة سلسلة الرتب والرواتب خير دليل وعبرة لمَن يعتبر.