طوت وزارة التربية صفحة الامتحانات الرسمية للثانوية العامة بشكوك كثيرة أحاطت بسير الاستحقاق ونتائجه. فقد سجّلت معدلات النجاح أرقاماً مرتفعة، ما دفع إلى وصفها بامتحانات صورية لم يرسب فيها سوى الغائبين عنها، إذ جاءت النسب كالآتي: الاجتماع والاقتصاد (94%)، علوم الحياة (92%)، العلوم العامة (90%)، والآداب والإنسانيات (74%). الأسئلة التي أثيرت حول تأخير توزيع المسابقات على الممتحنين في اليوم الأول، وتسريب الأسئلة على مواقع التواصل الاجتماعي قبل وصولها إلى مراكز الامتحانات، بقيت بلا أجوبة. ولم يعلن وزير التربية عباس الحلبي للرأي العام عما حلّ بمن أحالهم على النيابة العامة التمييزية في هذا الخصوص. وكان من فصول هذا التسريب أن يخرج «ناشط» بعشرات «البوستات» يفاخر فيها بأن قسماً كبيراً من الأسئلة التي درّب عليها الطلاب على منصته، في معظم الاختصاصات الأكاديمية والمهنية، ورد كما هو في الامتحانات الرسمية، إضافة إلى نشره المسابقات نفسها على مواقع التواصل قبل نصف ساعة أو دقائق من توزيعها على الطلاب.
ولم تنته فصول حكاية الامتحانات مع النتائج التي لم تطمئن الكثير من الطلاب وأهاليهم والأساتذة المشتغلين في الاستحقاق والمراقبين له على حد سواء، إذ يشير بعض الأساتذة إلى قرار أحادي اتُّخذ قبل دقائق من إعلان النتائج، ومن دون التشاور مع أهل الاختصاص، بخفض «تثقيل» علامة مادة الرياضيات في فرع الاجتماع والاقتصاد من 50 إلى 30، في تجاوز للأصول والأعراف التربوية، «فمن غير المعقول أن تُعطى المادة لمدة 4 ساعات في الأسبوع وتكون علاماتها من 30، فيما تُدرس مادة أخرى مثل التاريخ ساعة واحدة في الأسبوع وتكون علامتها من 30 أيضاً». كما أن تغيير «التثقيل» بهذه الطريقة ينسف النتائج من أساسها، وقد يرسب من نجح وينجح من رسب ويتبدّل ترتيب الأوائل.
«الأخبار» حاولت التواصل مع مقرّرة لجنة الرياضيات في الامتحانات، سناء شهيب، التي طلبت الحصول على إذن من الوزارة للإدلاء بأي موقف، وهو ما تعذّر تأمينه من خلال الاتصال بالمستشار الإعلامي للوزير ألبير شمعون الذي أحالنا بدوره إلى المدير العام للتربية عماد الأشقر من دون أن نوفّق في الاتصال به. وعلمت «الأخبار» أيضاً أن الوزير هو من قرّر تغيير التثقيل.
وانسحب تغيير «التثقيل» كذلك على المواد العلمية في شهادة العلوم العامة عندما خُفض من 160 إلى 120 لمادة الرياضيات التي يدرسها الطلاب لمدة 10 ساعات في الأسبوع، ومن 80 إلى 60 لمادة الكيمياء ومن 110 إلى 80 لمادة الفيزياء، وبقي تثقيل المواد الإنسانية والاجتماعية كما هو. وعن عدم إبلاغ الطلاب والأساتذة بتغيير «التثقيل» قبل إجراء الامتحانات، قالت رئيسة الهيئة الأكاديمية في المركز التربوي للبحوث والإنماء، رنا عبدالله، إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها ذلك منذ أزمة كورونا، وهذا يجري بالتنسيق بين وزارة التربية والمركز التربوي ربطاً بعدة متغيرات، منها تقليص المنهج، ومدة المسابقة، والظروف الأمنية، وتوصيف المسابقات الذي تغيّر هذا العام، والوضع النفسي للطلاب، ومعرفة ما هي المواد التي ينالون فيها علامات أكثر، استناداً إلى تحليل نتائج الامتحانات في السنوات السابقة.
حصل بعض الممتحنين على علامة كاملة في مادة الفلسفة العامة
إلى ذلك، فوجئ الجميع بقرار الوزارة عدم اعتماد علامة النجاح 9.5 من 20 أي إعطاء نصف علامة استلحاق، كما جرت العادة في الامتحانات الرسمية السابقة، ما عدا اختصاص الآداب والإنسانيات، ما أثار التساؤل عن المعيار الذي اعتُمد في هذا القرار، خصوصاً أنه جرى التداول بأن خلفيته تتعلق بنسب النجاح المرتفعة لهذا العام في معظم الفروع، واعتماد المواد الاختيارية، والتساهل في أعمال التصحيح. وبرّرت الوزارة الاستلحاق في الآداب والإنسانيات بالقول إن نسبة النجاح بلغت 74% مع الاستلحاق.
وكانت علامات اللغة الإنكليزية المتدنية فاجأت بعض الممتحنين الذين جرى قبولهم في امتحانات اللغة والدخول في الجامعات الأميركية بمعدلات مرتفعة. وبدا مستغرباً أن ينال البعض علامات كاملة في مادة الفلسفة العامة.
وعلمت «الأخبار» أيضاً أن هناك شكوكاً «تقنية» تحيط بالنتائج، بعدما عثر رئيس دائرة الامتحانات الرسمية بالتكليف ربيع اللبان، خلال فترة الحملة على المدير السابق لوحدة المعلوماتية توفيق كرم، على عدة أرقام وهمية يحتجزها أحد من كانوا يعملون مع «العهد السابق» للدائرة في خزانة مكتبه ويستطيع أن يلصقها ساعة يشاء بأي مرشح، علماً أن الرقم الوهمي يُعطى عادة من وحدة المعلوماتية لكل مسابقة ليسهل عملية إصدار النتيجة، باعتبار أن اسم المرشح يكون مغطى، وتجري، بعد إنجاز التصحيح مطابقة، الرقم الوهمي مع اسم المرشح ورقم الترشيح. وبهذه العملية، يمكن أن يصبح الراسب ناجحاً والناجح راسباً، علماً أن وزير التربية لم يتخذ أي تدبير عقابي في هذا الموضوع، سوى أنه أعطى الموظف إجازة قسرية بعدما كان قد ألحقه بمكتبه.