مؤسسات الدولة في دولة المؤسسات
إمتحانات الفصل الأخير لصفوف الشهادة الثانوية العامة والشهادة المتوسطة في المدارس الرسمية ستجرى، بحسب وزارة التربية، اعتباراً من 26 أيار المقبل. وحتى اللحظة، يبدو أن الامتحانات الرسمية قائمة على أن تُحدَّد مواعيدها لاحقاً. إنطلاقاً من هنا واستكمالاً للمقال الذي تناولنا فيه التفتيش المركزي بتاريخ 04/04/2022، نلقي في ما يلي الضوء على المفتشية العامة التربوية في حديث مع المفتش العام التربوي، السيدة فاتن جمعة. ماذا عن آليات عمل المفتشية ودورها في إطار الإعداد للامتحانات الرسمية وإجرائها، وما هي المعوّقات والمخالفات التي تواجهها توازياً وماذا عن سُبل معالجتها؟
يرتبط دور المفتشية العامة التربوية في الامتحانات الرسمية بالمادة 15 من المرسوم 2460/59 المتعلق بتنظيم التفتيش المركزي، والذي أعطى المفتشية صلاحية الرقابة على مدى تطبيق أنظمة الامتحانات الرسمية. إذ استناداً إلى النص المذكور، تؤدي المفتشية رقابتها على الامتحانات الرسمية في كافة مراحلها، تحضيراً وتنفيذاً وتقييماً للنتائج. إلى المزيد.
تصويب وتنظيم
بداية، تخبرنا جمعة أن المرحلة الرقابية الأولى تشهد قيام المفتشين التربويين، أعضاء لجنة الامتحانات، بحضور الاجتماعات التحضيرية التي تُنظَّم في المناطق التربوية لرؤساء المراكز المفترضين. كما تُعقَد في المفتشية العامة التربوية اجتماعات تحضيرية، تضم إلى المفتش العام التربوي، رئيس اللجان الفاحصة ورئيس دائرة الامتحانات في وزارة التربية والمفتشين التربويين أعضاء لجنة الامتحانات الرسمية في المفتشية. الغرض من ذلك هو التباحث في الملاحظات والمخالفات التي تم تثبيتها خلال الامتحانات الرسمية للعام المنصرم والسبل الآيلة إلى ضبط الامتحانات المقبلة تفادياً لتكرار المخالفات. وتؤكّد: «لهذه الاجتماعات أثر كبير في تصويب القرارات الإدارية المتعلقة بتنظيم وسير الامتحانات الرسمية».
خلال هذه المرحلة، يمكن للمفتشية العامة التربوية أن تبدي رأيها في بعض القرارات الإدارية الصادرة عن الإدارة التربوية والمتعلقة بالآليات التي ستُعتمد لتسيير شؤون الامتحانات الرسمية، وذلك استناداً إلى المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي 115/59 – إنشاء التفتيش المركزي – والتي تعطي الأخير صلاحية إبداء المشورة للسلطات الإدارية عفواً أو بناء للطلب.
وهذا مثال على ذلك: فقد أبدت المفتشية رأيها في النصوص القانونية التربوية التي صدرت استثنائياً لتنظيم الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة للعام الدراسي 2020-2021. كما خلصت إلى نتائج قانونية مهمة، معتبرة أن إجراء الامتحانات بالشكل الذي نُظّمت على أساسه يشكّل مساساً بمصداقية الشهادة الرسمية ويخالف مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص لعدة أسباب جوهرية سنأتي على ذكر بعضها لاحقاً.
مخالفات وإجراءات
أما في مرحلة إجراء الامتحانات الرسمية، فتقوم المفتشية بدور الرقابة الميدانية لتطال جميع المعنيين بالامتحانات، مرشحين كانوا أم جهاز مراقبة، وذلك من خلال زيارات ميدانية يجريها المفتشون التربويون بهدف التحقّق من تطبيق الأنظمة الخاصة بالامتحانات. وتلفت جمعة: «نتأكد من توزيع المراقبين على المراكز، والمرشحين على الغرف، كما نراقب مدى تقيّد رؤساء المراكز بمذكرة التعليمات الخاصة بهم، ومدى التزام المراقبين والمراقبين العامين بالتعليمات الموجهة إليهم والصادرة عن رئيس اللجان الفاحصة». للقوى الأمنية أيضاً دور ومهام محددة في هذا السياق. وهي تشمل مثلاً عزل المركز عن المحيط الخارجي والتحقّق من هوية كل مرشح قبل الدخول إليه. كما تتم مراقبة مدى التقيّد بالمساعدة المقررة من قِبَل اللجنة الخاصة للمرشحين ذوي الاحتياجات الخاصة. إذ يصار نتيجة لتلك الرقابة إلى ضبط المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الهدف من زيارة المفتشين التربويين الميدانية إلى مراكز الامتحانات الرسمية هو إلقاء الضوء على الثغرات والعقبات التي تحول دون تأمين معيار المساواة بين المرشحين، أو التي تمس بمصداقية الامتحانات الرسمية كما التي قد ينتج عنها هدر في المال العام. ومنها: التأخر في تسليم أسئلة الامتحانات الرسمية إلى أحد المراكز، النقص أو الفائض في عدد المراقبين في بعض المراكز كما عدم تأمين المساعدة المقررة لأحد المرشحين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
كل ذلك يستلزم اتخاذ إجراءات سريعة من قِبَل القيّمين على الامتحانات. لذا، بعد التنسيق بين كل من مدير عام التربية ومدير عام التعليم المهني والمفتشية العامة التربوية، يتم الاتصال المباشر بالمراقبين بهدف معالجة المخالفة بما يؤمّن المصلحة العادلة للمرشحين. أما الملاحظات التي لا تستوجب اتخاذ إجراءات سريعة، فيُشير إليها المفتشون التربويون في التقارير المنظمة من قِبَلهم للتداول بها في ما بعد ورفع التوصيات الملائمة بشأنها للإدارة التربوية.
متابعة وتقييم
الامتحانات تنتهي، إلا أن متابعة وتقييم نتائجها يتواصل. ذلك أن المفتشين يقومون بمراقبة عمليات التصحيح والتدقيق وإصدار النتائج، كما تتم متابعة الشكاوى الواردة إلى المفتشية للتحقيق فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها. فبحسب جمعة، «وردت عدة شكاوى إلى المفتشية تتعلق مثلاً بالتشكيك في نتيجة أحد المرشحين أو بأسئلة الامتحانات الرسمية أو بتشكيل اللجان فيها. وقد تمّت متابعة الشكاوى وإبداء الرأي حيالها ومعالجتها».
إضافة إلى ذلك، يقوم المفتشون التربويون، لدى انتهاء كافة مراحل الامتحانات، بتنظيم تقارير عن سيرها تتضمن خلاصة ملاحظاتهم، مع إعداد دراسات شاملة تبيّن التوصيات الملائمة التي تُحال بدورها إلى اللجان الفاحصة للاطلاع عليها والأخذ بها حيث يجب. ففي إحدى الحالات، لاحظت المفتشية أن كلفة المرشح قد بلغت خلال الدورة الخاصة للعام 2020 أكثر من ضعفي ما كانت عليه خلال الدورة العادية للعامين السابقين (كما يظهر في الرسم البياني)، بالرغم من ضرورة تحقّق العلاقة النسبية بين العدد من جهة والكلفة من جهة أخرى. وهو ما لا تفسير له سوى وجود حشو غير مبرر في عدد أعضاء اللجان ينتج عنه إنفاق لا يراعي الحاجة الفعلية.
فائض وهدر وتعويضات أقرب إلى عمولة
من الملاحظات المشتركة بين كافة الدراسات المذكورة أعلاه وجود فائض في عدد المراقبين نتيجة التفاوت في عدد المرشحين وعدد المشتركين فعلياً في الامتحانات، وعدم إعطاء تعليمات مركزية بإعفائهم. وهذا أدى إلى حصول تفاوت في نسب الإعفاءات تلك بين المناطق وحصول هدر في المال العام. فالدراسات تحتوي على بيانات عن تكلفة الامتحانات الرسمية التي بلغت أرقاماً مرتفعة جداً بما لا يتناسب مع الرسوم المحصّلة من الطلاب. نذكر على سبيل المثال لا الحصر تعويضات الامتحانات الرسمية للدورة الخاصة للعام 2020 والتي فاقت مليار ليرة لبنانية في حين لم تتخطَّ الرسوم المحصّلة من الطلاب 236 مليون ليرة تقريباً – أي أن تكلفة الامتحانات تساوي 5 أضعاف رسوم الترشيح المستوفاة من المرشحين.
وثمة مخالفات أخرى لأحكام المرسوم رقم 5697/2001 المتعلق بنظام الامتحانات الرسمية تحيط بقرارات تحديد تعويضات الامتحانات الرسمية. ذلك لجهة تحديد تعويضات معاوني رئيس اللجان الفاحصة بالرغم من أن المرسوم المذكور قد اعتبر أن هؤلاء لا يترتب لصالحهم أي تعويض كونهم معاونين للرئيس. وتشير جمعة في هذا السياق الى أنه «بالرغم من إشارة المفتشية إلى مخالفة هذه القرارات، كرّرت وزارة التربية المخالفة لتتضمن قرارات صرف التعويضات لمعاوني رئيس اللجان الفاحصة نسباً معيّنة من قيمة التعويض المستحق لرئيس اللجان الفاحصة في كل شهادة». فقد كان كل من مدير التعليم الثانوي ومدير التعليم الابتدائي ومدير الإرشاد والتوجيه ورئيس مصلحة التعليم الخاص، ومدير الإدارة المشتركة ورئيس مصلحة الشؤون الثقافية يتقاضون 25% من قيمة التعويض المستحق لرئيس اللجان الفاحصة في كل شهادة. كما حُدّد تعويض لرؤساء المناطق التربوية يساوي 27% من قيمة التعويض المستحق لرئيس اللجان الفاحصة في كل شهادة، إضافة الى 250 ليرة عن كل مرشح في نطاق المنطقة التربوية ذات الصلة. ولرؤساء دوائر المناطق التربوية تعويض بواقع 18% من قيمة التعويض المستحق لرئيس اللجان الفاحصة إضافة إلى 100 ليرة عن كل مرشح في الشهادتين المتوسطة والثانوية بالمنطقة التربوية العامل فيها.
جمعة تابعت أن «إضافة تعويض 250 ليرة لرئيس المناطق التربوية و100 ليرة لرئيس دائرة المنطقة التربوية عن كل مرشح هو أمر مهين لكل منهما باعتباره أقرب إلى عمولة لا مكان لها في استحقاق تربوي بحجم امتحانات كالامتحانات الرسمية، فضلاً عن انتفاء أي علاقة موضوعية بين عدد المرشحين وهذه العمولة ومهام رئيس المناطق التربوية ورئيس دائرة الامتحانات. ثم أن المهام التي تنجزها المناطق التربوية خلال الامتحانات الرسمية تقع في صلب ما هو منصوص عليه قانوناً وليست أعمالاً إضافية». إشارة هنا إلى أن تلك المهام لم تَعُد محصورة بالمناطق التربوية فقط كما كانت سابقاً، بل باتت تشاركها فيها لجنة المعلوماتية والمكننة التي أُضيفت إلى جهاز اللجنة الفاحصة بموجب مرسوم تعديل نظام الامتحانات الرسمية.
تعويضات أعمال الامتحانات الرسمية، بحسب المفتشية، لا تتلاءم مع الأعمال المنجزة خلالها، لا سيما وأن بعض المهام المنفذة، وأحيانا كلها، هي من صميم عمل الموظف وتُنفَّذ ضمن دوامه الرسمي وقلّما تستدعي أوقاتاً إضافية من بعضهم. من هنا ضرورة إعادة النظر في حجم ونسب التعويضات المخصصة لأعضاء اللجان الفاحصة والقائمين بكافة أعمال الامتحانات الرسمية، تماشياً مع حجم الأعمال المنفذة من قِبَلهم خارج أوقات الدوام الرسمي. ذلك على اعتبار أن ما يقوم به الموظف خارج دوامه هو عمل إضافي يستحق لقاءه بدلاً عادلاً قياساً على أساس راتبه، سيما بعد صدور قانون رقم 46/2017 المتعلق بسلسلة الرتب والرواتب، الذي عدّل أيام العمل الأسبوعي وساعات الدوام اليومي بما يتناسب مع الحد الأقصى لنسبة التعويضات المستحقة لكل موظف.
فعالية محدودة في ظل العراقيل
نأتي إلى الصعوبات التي تواجه عمل المفتشية العامة التربوية الرقابي بما يتعلق بالامتحانات الرسمية. وهي متعدّدة ويمكن تلخيص أبرزها بما يلي:
قلّة عدد المفتشين التربويين قياساً إلى عدد مراكز الامتحانات الرسمية. فإذا أخذنا امتحانات العام 2018 كمثال، لوجدنا أن عدد مراكز الامتحانات خلال الدورة الأولى للشهادة المتوسطة قد بلغ 316 مركزاً مقابل 252 مركزاً للشهادة الثانوية العامة، حيث أشرف عليها 20 مفتّشاً تربوياً – أي بمعدّل وسطي يبلغ 13 إلى 16 مركزاً للمفتش التربوي الواحد، ما أثّر على فعالية مستوى الرقابة.
عامل آخر لا يقل أهمية. إذ بالرغم من عدد المراكز التي يتوجب على المفتش التربوي زيارتها ميدانياً، إلا أنه لا يتقاضى أي تعويض عن الامتحانات الرسمية بل تعويض انتقال قدره 195 ليرة للكيلومتر الواحد. من وجهة نظر جمعة، «التعويض مجحف جداً بحق المفتش خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة ولا يغطي كلفة المحروقات أو صيانة السيارة التي يستخدمها للتنقل خلال زياراته الميدانية».
وتختم قائلة: «طلبنا ونطالب ونشدّد على ضرورة تعديل تعويض الانتقال الذي يتقاضاه المفتشون وضرورة تخصيص تعويض امتحانات للمفتشين التربويين أسوة بكافة العاملين في الامتحانات الرسمية. فالمجهود الذي يبذله المفتش التربوي يساوي إن لم يكن يفوق مجهود أي عامل في الامتحانات الرسمية».
هذا عن دور المفتشية العامة التربوية على صعيد الامتحانات الرسمية. أما دورها بعيداً عن الامتحانات، فنفصّله في مقال مقبل.