المفتشة العامة التربوية فاتن جمعة تفتح ملفات التعليم
ما هو دور المفتشية العامة التربوية في وزارة التربية والتعليم العالي على صعيد الامتحانات الرسمية؟ وفي متابعة مراحل الروضة ومراقبة المدارس الخاصة المجانية، كما في تأمين تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة وتحسين أداء المعلمين ورفع مستوى الشهادة الرسمية، ناهيك عن تطوير المناهج والبرامج والحدّ من ظاهرة التسرّب المدرسي؟
في إطار البحث عن مؤسسات الدولة المفترض أن تكون كاملة الأدوار والتنظيم في ما يجب أن تكون عليه دولة المؤسسات، وفي إطار تناول هذه المؤسسات تباعاً وتسليط الضوء على واقعها الحالي وعلى النواقص فيها وعلى الوضع الذي يجب أن تكون عليه، هذه محاولة مع المفتشة العامة التربوية، السيدة فاتن جمعة، لتفصيل دور المفتشية خصوصاً في هذه المرحلة التي يواجه فيها لبنان خطر تدني مستوى التعليم في كل مراحله ونحن على أبواب امتحانات رسمية لا يزال مصيرها محط قلق وتشكيك وعلامات استفهام، في ما يشكل تحدياً للوزارة وللدولة وللمدارس والتلاميذ. فإلى التفاصيل.
رغم غياب أي رقابة للتفتيش التربوي على دُور الحضانة، إلا أنه يتابع سياق عمل مرحلة الروضة في مدارس التعليم الرسمي، وهي مرحلة مهمة يُبنى عليها التعليم الأساسي والثانوي. وبما أن دُور الحضانة تقوم على مبادرات فردية خاصة، سواء أُلحقت بمدارس أم لم تُلحق، فهي بطبيعة الحال لا تُعتبر مرحلة تعليمية نظامية لا سيما أنها غير متوافرة في المدارس الرسمية. ومن هنا غياب رقابة التفتيش عليها.
أما مرحلة الروضة، فلها خصوصيتها لأن التعليم ضمنها يرتكز على الأنشطة التي تُمكّن التلميذ من اكتساب المعارف والمهارات اللازمة، وتساعده على التكيّف مع الظروف المحيطة به كما تحضّره لمرحلة التعليم الأساسي. وللروضة أيضاً مناهجها الخاصة التي وُضعت في العام 1997 وقام المركز التربوي للبحوث والإنماء بتعديلها، حسب الحاجة، بين الحين والآخر. والحال أن التفتيش التربوي يراقب هذه المرحلة من حيث دراسة الوضع الوظيفي لمعلّمات الروضة واختصاصاتهن وخبراتهن ومدى خضوعهن لدورات تدريبية، إضافة إلى مدى تطابق جناح الروضة والملاعب المخصصة لها مع المواصفات الواجب مراعاتها، كما مدى ملاءمة الصفوف وتضمّنها الأركان الأساسية المطلوبة.
في سياق متّصل، تشرح جمعة كيف أنّ للتفتيش التربوي دوراً فاعلاً في تأمين التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة من خلال الرقابة على المدارس الرسمية الدامجة، مع تشجيعه الدائم لمدارس لبنان كي تتحوّل إلى مدارس دامجة هي الأخرى. وتضيف: “عندما أنشأ المركز التربوي مراكز متخصصة للصعوبات التعلمية في دُور المعلمين والمعلمات، دَعَم التفتيش هذه الخطوة وطالب بتعميمها على كافة الدُور في لبنان”. مع العلم أن هذه المراكز هي حديثة العهد حيث يقوم التفتيش التربوي بالرقابة عليها توازياً مع رقابته على دُور المعلمين والمعلمات المتواجدة فيها. ولا بدّ من الإشارة إلى دور التفتيش التربوي في التأكد من تأمين المساعدة المطلوبة لأصحاب الهمم الصلبة والاحتياجات الخاصة، لا سيما خلال الامتحانات الرسمية بحسب ما تقتضيه كل حالة من تلك الحالات.
تقييم عمل الأستاذ إضافة إلى ما ذُكر، تقع مراقبة أفراد الهيئة التعليمية ومدى قيامهم بواجباتهم في صميم صلاحيات المفتشية العامة التربوية قانوناً. فهذا الدور يقتضي متابعة المفتش لعمل المعلم داخل المدرسة والصف. وتقول جمعة: “نتيجة المشاهدة الصفّية، كان يتضح أحياناً عدم كفاءة بعض أفراد الهيئة التعليمية، فيوصي التفتيش حينها بإجراء دورات تدريبية متخصصة لتحسين أدائهم، وفي أحيان أخرى كان يتم اتخاذ قرارات من قِبَل هيئة التفتيش المركزي توصي بفسخ التعاقد مع من يثبت عدم كفاءته التعليمية”. كذلك، يُقدّم التفتيش التربوي سنوياً اقتراحات إلى المركز التربوي للبحوث والإنماء تتعلق بمواضيع الدورات التدريبية التي يحتاجها الأساتذة والمدرسون لتطوير قدراتهم. كما يواكب الدورات التدريبية التي يجريها المركز التربوي ويقوم بتقييمها وإعطاء الملاحظات اللازمة بشأنها. وترى المفتشية العامة التربوية أن تدرّج الأستاذ أو المعلم لا يجب أن يتمّ آلياً بل أن يأتي نتيجة تقييم شامل لعمله.
ماذا عن دور المفتشية العامة التربوية في رفع مستوى الشهادة الرسمية؟ فهو يتجلّى من خلال الرقابة التي تجريها المفتشية على الامتحانات الرسمية وإثبات جديتها ودراسة مستوى الأسئلة المطروحة، إضافة إلى الحرص على دورية الامتحانات المدرسية وإنجاز المنهج وتطبيق نظام التقييم بصورة دقيقة وإبداء الرأي أيضاً في تقليص المناهج التربوية. فبتاريخ 14/04/2022، وبطلب من وزير التربية، أبدت المفتشية رأيها في موضوع تخفيف مضامين المواد التعليمية المرتبط بأهداف منهج التعليم العام للعام الدراسي 2021/2022 حصراً. وقد اقترحت، بنتيجة بيان الرأي، “ضرورة إلزام المدارس والثانويات الرسمية تنفيذ مضمون التعميم 9/م/2022 (الصادر عن وزير التربية، والذي يطلب بموجبه من مديري المدارس والثانويات الرسمية تعويض ساعات التدريس للتلامذة حضورياً عن الأيام التي شهدت إقفالاً، وفق ما يقتضيه حسن سير العمل والمصلحة العامة وذلك بالتوافق مع مدرسي الملاك والمتعاقدين)، أو تمديد العام الدراسي بما يضمن تعويض الفاقد التعليمي تفادياً لتقليص المناهج المخففة أصلاً بموجب التعميم رقم 28/م/2018 بتاريخ 21/05/2018 المبني على التخفيف الصادر بالتعميم 21/م/2016 تاريخ 03/09/2016”. وفي حال تمّ إقرار اعتماد تقليص المناهج، تمنّت المفتشية الأخذ بالملاحظات الواردة في متن بيان الرأي المعدّ من قبلها.
أما في ما يخص المناهج والبرامج التعليمية، فقد نصت المادة 15 من المرسوم 2460/59، المتعلق بتنظيم التفتيش المركزي، على صلاحية المفتشية العامة التربوية في مدى تطبيق أنظمة التعليم ومناهجه. لكن بالرغم من أن النص المتعلق بالمناهج حصر دور المفتشية في مراقبة مدى تطبيق المناهج، إلا أن الواقع تخطّى هذا الدور إلى المشاركة الفعلية في وضعها والانخراط في مختلف الأنشطة المرتبطة بها. فقد شاركت المفتشية عام 1997 في وضع المناهج وتأليف الكتب المدرسية ومواكبة الدورات التدريبية الخاصة بها ومدى تطبيقها ميدانياً في مؤسسات التعليم الرسمي.
هنا، توضح جمعة أن “المفتش العام التربوي الأسبق، المرحوم الدكتور محمد كاظم مكي، شارك في عضوية الهيئة الاستشارية لوضع المناهج، وشغل دور المنسق العام في مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية. وهو دور على قدر كبير من الأهمية تمخض عنه وضع كتاب موحّد في هذه المادة تطبيقاً لما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني من توحيد الكتاب المدرسي في مادتي التربية والتاريخ”. وكان للمفتشين التربويين أيضاً دور محوري في مراقبة التطبيق في المدارس والثانويات، إذ حضّروا مئات الدروس ونظّموا بناء على ذلك التقارير اللازمة متضمنة الملاحظات والإرشادات. وتابعت جمعة: “نحن اليوم على أتمّ الاستعداد لمواكبة عملية تطوير المناهج بما يلبّي مقتضيات الواقع وينسجم مع روح العصر، ولن ندّخر وسعاً في المشاركة في كل ما يُحَدِّث مناهجنا وينهض بمؤسسات التعليم الرسمي، إيماناً منا بأهمية المناهج في الحياة التربوية والوطنية”. هذا وتشارك المفتشية اليوم في وضع الإطار الوطني للمنهاج العام ما قبل الجامعي حيث أعربت عن ملاحظاتها على المسودتين الأولى والثانية من الإطار كما شاركت في اللقاءات التشاورية ذات الشأن.
التسرب المدرسي…
للتسرب المدرسي أحياناً ظروفه المتّصلة بحياة الطالب وبيئته الاجتماعية والحالة الاقتصادية لذويه التي قد تلزمه بالتوجه إلى سوق العمل. وهو ما لا يمكن للتفتيش التربوي أن يتدخل فيه مباشرة كون الحل يُعتبر من مسؤوليات الدولة. لكن مع ذلك، فقد اقترحت المفتشية ضرورة إنشاء صفوف بمنهج مخفّف تضمن حصول التلميذ، الذي تضطره الأسباب الاقتصادية إلى دخول سوق العمل، على الحد الأدنى من المكتسبات الأساسية التي تساعده في حياته العملية وتبعده على الأقل عن الأمية.
لكن ماذا لو كان التسرب ناتجاً عن مشكلة ما بين التلميذ وإدارة المدرسة أو أحد الأساتذة؟ “لا يتوانى التفتيش التربوي عن التدخل لمصلحة التلميذ فور معرفته بالمشكلة”، تقول جمعة. فمن خلال قيامه بواجباته الرقابية، لا سيما الرقابة على سير العمل وتقييم أفراد الهيئة التعليمية وكيفية قيامهم بواجباتهم، يساهم التفتيش التربوي بالحدّ، بطريقة مباشرة، من ظاهرة التسرب المدرسي. وثمة أمثلة عملية تخبرنا عنها جمعة. فمع بداية كل عام دراسي، مثلاً، ترد إلى المفتشية شكاوى عديدة تتعلق برفض تسجيل تلاميذ من قِبَل المسؤولين عن بعض المدارس الرسمية، ما يدفع التفتيش التربوي إلى التدقيق في الأسباب – الذرائع لرفض تسجيل التلميذ بغية حل الإشكالية، حتى لو تطلّب الأمر البحث عن أماكن شاغرة في مدارس أو ثانويات أخرى قريبة قادرة على استيعاب طالب التسجيل. كما يرد إلى المفتشية سنوياً عدد لا بأس به من شكاوى التظلّم من قِبَل أولياء أمور طلاب تتعلق بعلامات نالها هؤلاء في الامتحانات المدرسية، فيتدخل التفتيش على الفور ويقوم بتقييم المستندات التي ارتكزت عليها الشكوى، ملزماً إدارات المدارس بتطبيق القوانين والإجراءات المحقة والعادلة لمنع أي تلميذ من ترك المدرسة. وأحياناً أخرى، تصل المفتشية شكاوى حول إجراءات تعسفية اتُّخذت بحق تلاميذ دون إحالتهم أمام مجلس النظام والتوجيه المنصوص عنه قانوناً، ما يستدعي تدخل التفتيش لتصويب الأمور بحسب المقتضى القانوني العادل.
كسائر الأجهزة الرقابية، تواجه المفتشية العامة التربوية معوّقات تحتّم عليها السعي المستمر لوضع خطط تطوير مستقبلية. ما هي تلك الخطط؟ سؤال نجيب عنه في الجزء الثالث ما قبل الأخير من هذه السلسلة.