وُلدت منذ 155 عاماً ورفيقة النصوص التشريعية والتنظيمية الدائمة
هي جريدة لا تشبه تلك التي اعتدنا قراءتها يومياً. نمط صدورها مختلف كذلك المحتوى، لكنها لا تقل أهمية عن سواها. الاسم: الجريدة الرسمية. الهدف: نشر النصوص القانونية بصفتها المرجع والوسيلة الرسمية الأولى التي تتيح للمواطن اللبناني الوصول إلى المعلومات والقوانين والمراسيم المتعلقة بكافة إدارات وأجهزة الدولة.
هي جريدة ليست كالجرائد العادية فهي تملك ميزة كبيرة لأن كل القوانين والقرارات الرسمية لا تصبح نافذة بموجب القانون، إلا بعد نشرها فيها. مرة واحدة توقفت عن الطبع ورقياً في تشرين الأول 2020 بسبب الإنهيار المالي وتدني سعر صرف الليرة مقابل الدولار، في سابقة لم تحدث خلال الحرب اللبنانية، بحيث انقطعت عن الصدور ورقياً لمدة ثلاثة اسابيع نتيجة مطالبة المطبعة التي تطبعها بتعديل الإتفاق ورفع بدل الطباعة. وانقطاع الجريدة الرسمية عن الصدور يعني عدم سريان مفعول القوانين والمراسيم وعدم نشر الاعلانات والقرارات الصادرة عن مؤسسات الدولة، علماً ان من خلال نشرها بالجريدة فقط تسري المهل سواء لتطبيقها او للطعن فيها.
إليكم بداية بعض المحطات التاريخية الرئيسية في حياة هذه الجريدة. فقد اعتُبرت الجريدة الرسمية الصحيفة الأولى في جبل لبنان بحيث صدرت تحت اسم «جريدة لبنان الرسمية» أيام داوود باشا، أول متصرفي جبل لبنان، في العام 1867، كما طُبعت في مطبعة خاصة استقدمها المتصرف آنذاك إلى بيت الدين. وكانت الجريدة عبارة عن أربع صفحات تصدر أسبوعياً باللغتين العربية والفرنسية. عندما حلّ الانتداب الفرنسي عام 1920 وأعلن الجنرال غورو قيام دولة لبنان الكبير، صدرت «جريدة لبنان الكبير الرسمية» وبقيت الحال على ما هي عليه حتى العام 1926 حين أُعلنت الجمهورية اللبنانية، فتبدّل اسم الجريدة مجدداً ليصبح «جريدة الجمهورية اللبنانية الرسمية». في العام 1959 قام الرئيس فؤاد شهاب بتحديد مهام الجريدة إذ أوكلت إلى المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء مسؤولية إدارتها ونشر النصوص كما مراقبة عملية الطبع والتوزيع. ثم جاء العام 1975 لتصبح «الجريدة الرسمية» في لبنان تحت إدارة مصلحة الجريدة الرسمية التابعة للمديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء، وهي التي تقوم بمهام تسجيل الإشتراكات والمواد المعدّة للنشر. والآن إلى مزيد من التفاصيل.
فريق العمل
يتكوّن ملاك الجريدة الرسمية من مصلحة ودوائر ثلاث: مصلحة الجريدة الرسمية التي تشرف على كافة أعمال الدوائر الأخرى. ثم دائرة التدقيق والنشر التي تدقّق في الإعلانات المطلوب نشرها كما في التعاميم والقرارات والمكاتيب قبل إرسالها إلى الطباعة. إضافة إلى دائرة المشتركين التي تقوم بدراسة طلبات الإشتراك المقدّمة إن من القطاع الخاص أو من القطاع العام، ومدى ملاءمتها مع الصيغة الموضوعة لتقديم الطلبات. زد عليها دائرة المحفوظات التي تشمل أبرز مهامها حفظ وتوثيق أرشيف الجريدة.
أحد رؤساء الدوائر الحاليين العاملين في الجريدة أوضح خلال اتصال مع «نداء الوطن» أن دائرة المحفوظات لم تعد موجودة من ضمن فروع الجريدة بحيث تقوم بدورها حالياً مؤسسة المحفوظات الوطنية. وعليه، ليس هناك موظفون في الوقت الراهن منتسبون إلى الدائرة المذكورة. أما بالنسبة إلى باقي الدوائر، فقد أشار إلى وجود رئيس المصلحة الذي نُسبت إليه (أو من ينوب عنه) أيضاً مهام الموافقة على عملية النشر النهائية، أضف إليه رئيس دائرة المشتركين والموظفين العاملين في كافة الدوائر والذين يبلغ عددهم ستة محررين وأربعة حجّاب.
على الموعد يوم الخميس
من ناحية أخرى، تصدر الجريدة الرسمية بعددها الدوري كل يوم خميس – كما يصدر، في حال دعت الحاجة، ملحق استثنائي بالعدد. وتُقسّم محتويات كل عدد إلى قسمين اثنين: القسم الأول وهو يضمّ النصوص التشريعية والتنظيمية التي ترعى شؤون البلاد (قوانين دستورية، قرارات مجلس النواب، القوانين، المراسيم الإشتراعية والعادية، التعاميم وغيرها). إذ تصل القوانين والمراسيم إلى مصلحة الديوان في مجلس الوزراء بعد أن تكون قد ذُيّلت بتوقيع رئيس الجمهورية، فيقوم الديوان بتحويلها إلى الجريدة الرسمية بهدف نشرها، في حين أن القرارات الوزارية تُبلّغ مباشرة إلى الجريدة. أما القسم الثاني، فهو يشمل الإعلانات الرسمية (منها ما هو غير مدفوع الثمن كتلك الصادرة عن المؤسسات والإدارات العامة والبلديات ومنها ما هو مدفوع الثمن كإعلانات أمانات السجل التجاري والعقاري، والأحكام والإعلانات القضائية)، كما الإعلانات الخاصة (مثل دعوة الشركات لعقد جمعيات عمومية، ميزانيات الشركات وقطع حساباتها، دمج وتغيير أسماء شركات، تسجيل براءات اختراع، تسجيل أو نقل ملكية علامات فارقة، إلى ما هنالك).
ماذا عن تسعيرة الإعلانات المدفوعة في الجريدة؟ التسعيرة موحّدة، إذ تبلغ تكلفة كل سطر 15 ألف ليرة لبنانية، على اعتبار أن كل ست كلمات تشكّل سطراً واحداً. ويُسدّد صاحب الإعلان قيمة بدل النشر في وزارة المالية لقاء إيصال بذلك تُسلَّم نسخة منه إلى مصلحة الجريدة الرسمية لكي يصار إلى نشر الإعلان المرجوّ.
بدورها، تُنشَر محاضر جلسات مجلس النواب في نشرة مستقلة عن الجريدة الرسمية، إلا أنها تُوزَّع مجاناً على المشتركين. فهي، بحسب رئيس الدائرة، نشرة ضرورية جداً لناحية إعطاء المواطن فرصة للاطلاع على القوانين وتمكينه من الحصول على كافة المعلومات المتعلقة بالتشريعات المعمول بها.
…وإلكترونياً أيضاً لمن يرغب
«الحاجة إلى نشر الجريدة الرسمية على الشبكة العنكبوتية ومكننة المعلومات تماشياً مع التطوّر التكنولوجي على غرار باقي الدول الأجنبية هي التي فرضت نفسها علينا»، يقول رئيس الدائرة. ففي العام 2005 بدأ الموقع الإلكتروني التابع لرئاسة مجلس الوزراء بنشر أعداد الجريدة الرسمية بحيث أصبحت متوفرة مجاناً للجميع. وكان يتمّ في حينه تحديث الموقع أسبوعياً ما سهّل عملية الوصول والاطلاع على المعلومات. والحال أن النسخة الإلكترونية من الجريدة لاقت ترحيباً واسعاً من القراء، ناهيك عن أنها ساهمت، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، بالحدّ من نفقات الطباعة والتوزيع وتوفير كميات كبيرة من الورق، نظراً لازدياد الإقبال على تصفّح الأعداد إلكترونياً وتراجع شراء الأعداد الورقية. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن لا إحصاءات رسمية عن كمية المبيع الورقي أو نسبة الإقبال على النسخة الإلكترونية. مع العلم أنه لغرض تفعيل العمل على الجريدة الإلكترونية، تمّ التعاقد مع شركة «دار الكتاب الإلكتروني اللبناني» لإصدار الأعداد إلكترونياً على الموقع التالي: www.pcm.gov.lb. كما قامت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء بإعطاء التوجيهات لنشر الجريدة أسبوعياً على موقع رئاسة مجلس الوزراء.
عن أسعار الإشتراكات وطريقة الدفع
في شهر شباط 2018، صدر المرسوم رقم 2420 الذي حُدّد من خلاله بدل إشتراك سنوي بقيمة 550 ألف ليرة لبنانية للإشتراك الإلكتروني الواحد للقطاع العام والخاص، يُفعّل من خلال بطاقة مُسبقة الدفع للتمكن من زيارة الموقع والاطلاع على محتوى الجريدة. لكن ما لبث أن تمّ تخفيض قيمة الإشتراك إلى 350 ألف ليرة للقطاع العام وزيادة قيمته لتصل إلى 750 ألف ليرة للقطاع الخاص، من خلال تعديل المرسوم أعلاه في حزيران 2021، وذلك تشجيعاً للتوجه إلى النسخة الإلكترونية بهدف تقليص مصاريف الطباعة التي باتت تُشكل عبئاً بحد ذاتها، خاصة أنّ معظم المصاريف التشغيلية باتت تُدفع بالدولار الطازج. كما تم تعديل باقي مواد المرسوم رقم 11147 الصادر سنة 1997 وحُدّدت أسعار الإشتراكات الجديدة على الشكل التالي:
بالنسبة للجريدة الورقية، جرى رفع ثمن العدد الواحد من 5 آلاف إلى 15 ألف ليرة. أما بدل الإشتراك السنوي للقطاع الخاص داخل لبنان، فقد ارتفع من 240 ألف ليرة إلى 780 ألف ليرة، أسوة بإشتراك القطاع الخاص خارج لبنان الذي ارتفع من 850 ألف ليرة إلى مليونين و762 ألف ليرة. من جهتها، ارتفعت قيمة الإشتراكات السنوية للإدارات والمؤسسات العامة والبلديات من 120 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة.
نسأل هنا رئيس الدائرة عن كيفية تسديد الإشتراكات، فيجيب: «يستحصل الفرد أو الإدارة العامة الراغبة في الإشتراك على الطلب من مصلحة الجريدة الرسمية ويقوم بتعبئة الطلب الذي يوقّع من قبل رئيس المصلحة (أو من ينوب عنه). أما عن طريقة الدفع، فتُستصدر حوالة مالية بقيمة الإشتراك باسم أمين صندوق الخزينة المركزي. بعدها يُسلّم طلب الإشتراك والحوالة إلى مصلحة الجريدة ليصار إلى اقتطاع أمر قبض يوقع عليه رئيس المصلحة، قبل أن يتم دفعه في صندوق مال بيروت في وزارة المالية. ويتمّ تسديد الإشتراك في أقرب مكتب لشركة «ليبان بوست». وبالنسبة إلى خدمة التوصيل، فهي مجانية للمؤسسات العامة وتتمّ عبر البريد بواسطة شركة «ليبان بوست» أيضاً، بينما تبلغ قيمة خدمة التوصيل للقطاع الخاص 90 ألف ليرة سنوياً. ثم هناك الإشتراكات خارج لبنان التي تتمّ بواسطة توجيه رسالة إلى رئاسة مجلس الوزراء / المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء / مصلحة الجريدة الرسمية مصحوبة بشيك مصرفي لصالح أمين صندوق الخزينة المركزي».
ختاماً، يشير رئيس الدائرة إلى صعوبة حصر إيرادات الإشتراكات والإعلانات في الجريدة، كون نظام المحاسبة مرتبطاً مباشرة بالمالية وليس بمصلحة الجريدة الرسمية، في وقت تصبّ الواردات مباشرة في خزينة الدولة. وتُقسّم المصاريف، من ضمنها التشغيلية منها، على عقود ثلاثة: الأول، وهو عبارة عن عقد تلزيم الطباعة والورق ويجري من خلال مناقصة سنوية. أما الثاني، فهو العقد الموقّع مع شركة «ليبان بوست» المناطة بها مهام القبض والتوزيع. في حين أنّ العقد الثالث والأخير هو ذلك الموقّع مع دار الكتاب الإلكتروني اللبناني المسؤولة عن نشر الأعداد الإلكترونية. وتُؤمّن المصاريف آنفة الذكر جميعها من موازنة رئاسة مجلس الوزراء.
ثمة بيننا من يُواظب على متابعة أعداد الجريدة الرسمية لسبب أو لآخر. وهناك من يلجأ إليها بين الفينة والأخرى فقط بحثاً عن معلومة ما. لكن على الأرجح لا تفعل شريحة واسعة لا هذه ولا تلك. لا عجب هنا. فالكثير من النصوص والقوانين عندنا ليست سوى مجرّد حبر على ورق. لكن لا ذنب للجريدة في ذلك. فهي تبقى مرجعاً «نظرياً» صالحاً في بلد جل ما فيه معطّل… وغير صالح.
محاضر جلسات مجلس النواب
هي نشرة مستقلة عن الجريدة الرسمية لكنها توزع معها على المشتركين دون اي مبلغ اضافي مع امكانية شرائها من الموزع. وهي تحتوي على محاضر جلسات مجلس النواب التي يوقعها كل من رئيس مجلس النواب وامينا السر، وامين عام المجلس النيابي، ومدير عام شؤون الجلسات واللجان، ومدير المحاضر والجلسات ورئيس دائرة الجلسات. وهذه المحاضر على جانب كبير من الاهمية لانها تعطى الصورة الصحيحة والصادقة للحياة النيابية في لبنان وعن كيفية ادارة الجلسات والمداولات داخل الندوة البرلمانية. وكذلك يعتمد تسلسل سنوي مستقل لمحاضر جلسات مجلس النواب.