لا يبدو لبنان الرسمي مواكباً للمخاطر التي تحدق به، فيما الأنظار متجهة نحو واشنطن لمعرفة خريطة الطريق الجديدة التي ستعتمدها الإدارة الأميركية تجاه إيران وحزب الله والمخاطر التي قد تنتج منها
عند كل استحقاق إقليمي أو دولي يتعلق بلبنان، تكاد تكون المقاربة اللبنانية معدومة، لمواجهة تداعيات ما قد يضرّ بالاستقرار الداخلي. ويمكن القول، تبعاً لذلك، إن لبنان الرسمي لا يتوقف طويلاً عند الاحتمالات التي قد يخلقها البيت الأبيض وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في القرارات التي يفترض صدورها قريباً، في وضع حزب الله و ــــ أو من دون ــــ الحرس الثوري الإيراني على اللائحة السوداء.
ليس جديداً تصاعد اللهجة الأميركية في عهد ترامب ضد حزب الله وإيران. في الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري لواشنطن، كان الرئيس واضحاً في المؤتمر الصحافي المشترك بقوله «إن حزب الله يشكل تهديداً للشرق الأوسط برمّته». وأي جردة لمواقف ترامب ومستشاريه وأركان إدارته خلال الأشهر الماضية، تظهر الإصرار على توجيه اتهامات إلى إيران وحزب الله، لتترجم هذه المواقف عملانياً تدريجاً، وهو ما يتوقع بدءاً من هذا الأسبوع. فهناك موعدان مهمان بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، مراجعة الاتفاق النووي مع إيران، وقرار صادر عن البيت الابيض في شأن إيران وحزب الله المتوقع في 12 الجاري، إضافة إلى إقرار الكونغرس عقوبات اقتصادية ومالية على الحزب. وهذه المواعيد يمكن أن تشكل محطة حاسمة على طريق وضع استراتيجية الإدارة الأميركية، ولا سيما في المرحلة الحساسة التي تشهد تراجع جغرافية «داعش»، سواء عبر التلويح بتشكيل تحالف دولي وإقليمي في وجه النفوذ الإيراني وحزب الله، على غرار التحالف قبل سنوات لمحاربة «داعش»، أو عبر مقايضة بين الاتفاق النووي والإبقاء عليه وتقليص نفوذ حزب الله وإيران من العراق إلى سوريا ولبنان.
ما يهمّ في هذه المرحلة من الانتظار، أن الانغماس الكلي في الشؤون الداخلية والاستعداد للانتخابات، يظهر لبنان وكأنه غائب كلياً عن متابعة ما يجري في واشنطن، وما يمكن أن تستفيد منه الدول الدول العربية، والسعودية تحديداً، في رسم إطار جديد للسياسة اللبنانية الداخلية. وبحسب أوساط سياسية على صلة بدوائر أميركية، لم يتلقف لبنان الرسمي بجدية ما حصل في نيويورك أثناء زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لجهة اللقاءات الأميركية التي لم تعقد، سواء على مستوى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أو وزير الخارجية جبران باسيل. ويكمن تهاون لبنان مع ما حصل على المستوى الأميركي، في أن الرهان اللبناني على أن استقرار لبنان لا يزال أولوية بالنسبة إلى عواصم القرار الأميركي أو العربي، لا يعوّض عن أن الأميركيين ينظرون إلى العهد الحالي على أنه ليس حليفاً تكتياً لحزب الله، لاعتبارات آنية، بل حليف استراتيجي وأساسي في المنحى الذي يذهب إليه لبنان. وقد جاء الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ليؤكد ما كان مؤكداً لدى الفريق الأميركي الذي لا ينظر بارتياح إلى العهد.
وإذا كان الاستقرار الأمني والسياسي يبقى بالنسبة إلى لبنان الرسمي الحد الفاصل الذي لا يتوقع أن تقفز فوقه دول عربية وأوروبية وحتى الولايات المتحدة نفسها، إلا أن هناك تحديات أساسية سيواجهها لبنان إذا غلب موقف المتشددين في الإدارة الأميركية في تحديد روزنامة تصعيدية ضد حزب الله وإيران. فهل رئاسة الجمهورية والحكومة على استعداد لمواجهة عاصفة خريفية محتملة؟ وكيف يمكن أن تتلقف الحكومة حتى مجرد طرح فكرة إنشاء تحالف دولي، سبق أن شُكِّل مثله لمحاربة «داعش»، إذا طلب منها الانضمام إليه، وكيف ستتعامل الأطراف المناوئة لحزب الله في الحكومة كالقوات اللبنانية والمستقبل لمواجهة أي تطور محتمل في تعامل الأميركيين، ومن ثَمّ السعوديون، مع حزب الله. لأن خطورة ما يتسرب يتعدى العقوبات التي صدرت حتى الآن وتَمكّن لبنان من التحايل عليها مصرفياً بعلم الأميركيين أنفسهم. وما جرى مع الجيش اللبناني من وقف المساعدات التي كانت تأتي عبر وزارة الخارجية، لا البنتاغون، يؤثر فعلياً في برنامج المساعدات للجيش، هو عيّنة من احتمالات تبقى مفتوحة على تطورات سلبية أو إيجابية بحسب مجرى الأحداث. لكن يبقى مهماً أن تكون الحكومة، بكل اتجاهاتها، على بينة من أن الاحتمالات الأميركية موجودة بقوة على طاولة الإدارة الأميركية، من ضمن أوراق تفاوض مع روسيا وتركيا وإيران والسعودية وغيرها، وعلى ملفات لا تنحصر بالشرق الأوسط وحده. لأن معالجة تطور كهذا خطر لا تكون عبر إرسال وفود مصرفية ونيابية إلى واشنطن.
إضافة إلى حزب الله، المعنيّ الأساسي بما سيصدر أميركياً، والذي يتصرف على قاعدة إدراكه لما قد يصدر كما ظهر من كلام الأمين العام للحزب، فالأكيد أن اجتماعاً ثلاثياً كالذي عُقد في كليمنصو، على وعي بخطورة التوجهات الأميركية وتبعاتها، لأن الأطراف الثلاثة المشاركين على بيّنة من تداعيات الطروحات الأميركية، مالياً وأمنياً وسياسياً، وهم على تواصل مع الأطراف الإقليميين والدوليين كل من موقعه في رصد كل ما يحيط بالحركة الأميركية والتوجه السعودي واستعداد حزب الله للمواجهة. فما يجري أميركياً لا يعني حزب الله وحده، وارتداداته ستشمل الجميع، حلفاء حزب الله وخصومه، في حال تشابُك خطوط الحصار على الحزب عربياً ودولياً. وهنا تكمن الأسئلة المطروحة، عن كيفية استعداد لبنان الرسمي لمواجهة العاصفة الأميركية، بعيداً عن استعراضات الانتخابات وهمروجة سلسلة الرتب والرواتب التي تغرق بها الأحزاب المسيحية. علماً أن هذه الأحزاب، على تناقضاتها، ستكون أيضاً معنية بهذا التطور، بتظهير مواقف واضحة من أي انقسام عمودي كالذي حصل سابقاً، وهو ما قد يضعها في مواجهة مع العهد. فحتى الآن لم يبرز سوى موقع رئاسة الجمهورية التي وضعت نفسها مسبقاً في خندق واحد مع حزب الله، وهو ما أشار إليه نصر الله أخيراً، وسط خشية من أن يتطور موقف رئاسة الجمهورية، من الحياد، لتصبح على احتكاك مباشر مع الإدارة الأميركية واصطفاف معادٍ لها.