«أوجيه إنترناشيونال» دخلت النفق نفسه الذي دخلته مؤسسات الحريري الأخرى
تكاد الازمات المالية التي يعاني منها الرئيس سعد الحريري لا تنتهي. التعثر الذي أصاب شركة «سعودي أوجيه»، باقٍ ويتمدّد، ووصل إلى «اوجيه انترناشيونال» في فرنسا التي باتت مهددة بالإفلاس. كما انه أصاب الشركات التي كان يعوّل عليها لبيع أسهمها واستخدام الأموال في التخفيف من حدّة ما تعاني منه الأمبراطورية الأم. فالديون تثقل شركة الاتصالات التركية التي دخلت مرحلة العجز عن السداد. يبدو انه لم يبق للحريري سوى أسهم البنك العربي كأصول قابلة للتسييل. وبحسب مصادر مقربة من الحريري، فإن هذه الازمة الخانقة هي التي قادته إلى الرياض امس، وستدفعه إلى زيارة تركيا قبل نهاية الشهر الجاري
في مدينة سانت كوين، القريبة من العاصمة الفرنسية باريس، على طريق غير رئيسي، تلفت انتباه المارّة مبان حديثة وفخمة مقارنة بالمحيط المعماري المتواضع.
إنها مباني «أوجيه انترناشيونال»، فخر مؤسسات آل الحريري، التي وضع لها الرئيس الراحل رفيق الحريري الحجر الأساس، ولكنه لم يدشنّها بعدما سبقه القدر. داخل هذه المباني، تولد كل مخططات المشاريع التي تنفّذها شركة «سعودي أوجيه» في المملكة العربية السعودية. تُرسل مخططات المشاريع إلى المملكة ودول الخليج الأخرى، لتوضع موضع التنفيذ. ومع دخول شركة «سعودي أوجيه» المملوكة من الرئيس سعد الحريري نفقاً مالياً وإدارياً مظلماً، وتوقف مشاريعها نتيجة الشحّ المالي والفساد الإداري الذي أصابها، انعكس ذلك على الشركة في فرنسا التي ظلّت حتى وقت قريب، وعلى عكس الشركة في السعودية، تدفع الرواتب والمخصصّات والمصاريف وفق القانون الفرنسي. لكنها سرعان ما دخلت هي الأخرى في النفق ذاته، ما وضعها في عجز مالي استدعى من القضاء الفرنسي التدخل. وعلمت «الأخبار» أن «القضاء الفرنسي وضع أخيراً يده على الشركة، عبر مشرف قانوني لمتابعة الأوضاع من الداخل». ووفق المعلومات فإن «الشركة ليس في استطاعتها تأمين رواتب سوى لشهر واحد فقط»، ما دفع بالقضاء إلى «توجيه نوع من الإنذار للشركة يطلب اليها فيه البحث عن زبون غير (سعودي أوجيه) للتعاون معه». وقد «أعطيت الشركة مهلة حتى آذار المقبل لتأمين جهات تتعاون معها، وإلا فإن عليها أن تعلن إفلاسها». وحتى ذلك الوقت «ستتولى الدولة الفرنسية دفع الرواتب من صندوق التأمين الخاص بالموظفين». وبحسب مصادر الشركة فإن التحذير دفع المشرفين على المؤسسة إلى وضع الموظفين داخلها في صورة ما يحصل، في مقابل طمأنتهم إلى وجود خيارات أمام الشركة يمكن اللجوء اليها لتحسين الأوضاع، وأبرزها أن «للشركة ديونا في السوق ستحاول استردادها، يقال انها تبلغ 50 مليون يورو مترتبة على شركة سعودي أوجيه وحدها». الأمر الذي اثار الاستغراب، «إذ كيف يُمكن تحصيل الديون من شركة تعاني أزمة مالية كبيرة»!
أعطيت الشركة مهلة حتى آذار المقبل لتأمين زبون غير «سعودي أوجيه»!
من جهة أخرى، وفيما طرحت أسئلة عدة عن الزيارة التي قام بها الرئيس الحريري إلى تركيا أخيراً، ومدى ارتباطها بالشق الإقتصادي المتعلّق بشركة الإتصالات التي يملكها، بعد الحديث عن سعيه الى توظيف السيولة من شركة «أوجيه تلكوم» التي يملكها (عبر «سعودي اوجيه»)، والتي تملك 55 في المئة من شركة «تورك تيليكوم» المشغلة لخطوط الهاتف الثابت والمالكة لـ81 في المئة من ثالث أكبر مشغل للخطوط الخلوية في تركيا، نشرت وكالة «بلومبيرغ»، مقالاً قبل 5 أيام، كشفت فيه أن «تورك تيليكوم تخلفت عن دفع مبلغ كبير من المال كان يفترض أن تسدّده في أيلول الماضي. وتبلغ قيمته 290 مليون دولار، وهو دفعة من ضمن قرض كبير تبلغ قيمته 4.7 مليارات دولار». وكانت الشركة قد سددت حوالي 500 مليون دولار، قبل أن تعجز عن دفع ما توجب عليها في أيلول. ونقل الموقع عن مسؤولين في «تورك تيليكوم» أن «المفاوضات بين الشركة والجهات الدائنة، وهي بنوك تركية ودولية، مستمرة لضمان الإتفاق على حلّ يرضي جميع الأطراف». وأشار الموقع إلى أن «عدم قدرة الشركة على دفع الديون يعود إلى تراجع الليرة التركية أمام الدولار»، وأنه «سيجري تعيين لجنة تنسيق من البنوك لقيادة المفاوضات بين الشركة ودائنيها». هذا التقرير يكشف أن الأصول التي كان يُقال إن الحريري يمكنه الاعتماد عليها لتسوية ازمته المالية، هي بدورها مثقلة بالديون. والامر لا يقتصر على «تورك تيليكوم» إذ يشمل أيضاً شركة «سيل سي» للاتصالات الخلوية في جنوب أفريقيا (ثالث أكبر مشغل للخلوي في جنوب أفريقيا)، المملوكة أيضاً لـ«أوجيه تيليكوم»، التي كلّفت شركة «غولدمان ساكس» تحديد قيمة حصتها في «سيل سي»، بانتظار السعر المناسب. وترزح الأخيرة تحت دين قيمته نحو 178 مليون دولار.
كذلك نشر موقع «فرانس 24» تحقيقاً موسعاً أول من أمس عن «تراجع النفوذ السياسي للرئيس الحريري بسبب الأزمة المالية الحادة التي يمُر بها، بسبب ما تتعرض له شركته سعودي أوجيه في الرياض». ونشر الموقع شهادات قال انها نقلاً عن موظفين في تيار المستقبل يعملون في مؤسسات إدارية واعلامية تابعة للرئيس الحريري، رفضوا الكشف عن هويتهم وأسمائهم «خوفاً من طردهم دون تعويضات». ونقل الموقع عنهم أنهم «لا يتقاضون رواتبهم منذ حوالي عام»، مفرداً مساحة واسعة للحديث عن «حياتهم المعيشية وعدم قدرتهم على دفع إيجارات منازلهم ولا أقساط مدارس أولادهم». وتحدث الموقع عن «عملية التشحيل التي طاولت أخيراً صحيفة المستقبل التابعة للحريري»، كما تحدث عن الأزمة الإقتصادية في المملكة وانعكاس ذلك على قطاع الأشغال، ومنه شركة الحريري، وأعاد التذكير بمشكلة الموظفين الفرنسيين الذين لا يتقاضون رواتبهم منذ أشهر. ونقل عن أحد الصحافيين الذين يعملون في تيار المستقبل تمنيه بأن «تصبح الأمور في الرياض أفضل كي نتقاضى رواتبنا». وفيما لخص الموقع علاقة آل الحريري بالرياض، ومن ثم تحدث عن الهبة السعودية للجيش اللبناني والتراجع عنها، وعدم الإستماع الى كل دعوات الرئيس الحريري للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لعدم التخلي عن لبنان، رأى أنه «نتيجة لأزمته المالية فقد كان من الصعب أن يبقى الرئيس الحريري في الصدارة على الساحة السياسية في لبنان»، ورأى أن «أهم دليل على ذلك كان في الإنتخابات البلدية الأخيرة التي أعطت اشارات واضحة عن تراجع شعبيته أمام المجتمع المدني، والوزير أشرف ريفي في طرابلس». وأشار إلى أن مكتب الرئيس الحريري لا يزال يرفض حتى الآن «الإستجابة لمطلبنا إجراء مقابلة معه».
أوجيه تعرض حصتها في البنك العربي للبيع
أكّدت وكالة «رويترز» أمس أن شركة «سعودي أوجيه» تجري محادثات «مع مشترين محتملين لبيع حصتها من أسهم البنك العربي»، البالغة نحو 21 في المئة من أسهم المصرف. ولفتت إلى أن «المشترين المحتملين من السعودية والشرق الأوسط بدأوا يتفاوضون على الصفقة التي قد تحقق أكثر من مليار دولار لمجموعة الإنشاءات المتعثرة. ومن بين المهتمين بشراء حصة في البنك العربي، عائلة الحكير السعودية».
وكانت «الأخبار» قد كشفت أن مالك «سعودي أوجيه»، الرئيس سعد الحريري، يفاوض للإبقاء على جزء كبير من أسهمه في الشركة مقابل تخليه عن قسم من أسهمه في البنك العربي، وذلك في إطار المفاوضات التي كان يجريها مع السعودية للخروج من أزمة الشركة المتراكمة.
(الأخبار)