الخطوط مقطوعة و”السيستام” معطّل
قلب الدولة على المواطنين وقلب المواطنين حجر! نكاد نصدق ذلك ونحن نسمعها تتحدث عن “تأجيل قطع خطوط الهاتف الثابت” رأفة بالعباد. وفجأة قطعت كل الخطوط ووقع البشر في المحظور!
في السابع عشر من نيسان أطلّ وزير الإتصالات طلال حواط ليقول عبر مواقع التواصل الإجتماعي: “مراعاة للظروف المعيشية، في ظل الواقع الراهن، قررت وزارة الإتصالات تأجيل قطع خطوط الهواتف الثابتة وتأجيل سداد الفواتير للمشتركين عن شهر آذار العام الجاري”. كنا في عزّ كورونا. فصفّق الناس كثيرا ورددوا، من حجرهم، بالفم الملآن: شكراً. وفي الأول من حزيران، قُطعت كل الخطوط الثابتة، بلا “إحم أو دستور”، فتهافت الناس لإعادة ضخ الحياة في شرايين هواتفهم. وهنا وقعوا أيضاً في المحظور مردّدين: يا ويلك يا دولة من لعنات البشر.
ثمة خلل كبير ظهر في “توطين الفواتير” في المصارف أيضاً. بعض الفواتير تم تسديدها وبعضها وكأنه ظلّ ملتزماً بقول “معاليه”، أو لأمرٍ آخر في نفس يعقوب، فقُطعت حتى كثير من الأرقام الموطنة. والبارحة، يوم الخميس، نزل كثير من المواطنين الصالحين الى السنترالات لتسديد المتوجب عليهم فوجدوا بعضها موصداً بحجة كورونا وبعضها يفتح الإثنين والأربعاء، وبعضها الثلثاء والخميس، بين الثامنة والنصف صباحاً والثانية عشرة ظهراً. موظفو الهاتف يخافون من كورونا أما المواطنون “المعترين” فكأنهم يملكون مناعة من كثرة التلوث البيئي والنفسي.
الموظف يُبلغ المواطنين: السيستام معطّل
إحداهنّ، من اللواتي يأبَين التأخّر يوماً عن سداد مستحقات الدولة، نزلت صباح الخميس الى سنترال سن الفيل لتُسدد قيمة فواتيرها وهي أنا. عشرات المواطنين مثلي، وكثيرون كانوا يتكئون على عصي، ينتظرون تحت عين الشمس. الباب الرئيسي مقفل وورقة بيضاء ممزقة تُحدد أيام فتح الصندوق: الثلثاء والخميس فقط لا غير. وزارة الإتصالات حاسمة جازمة. إنتظرتُ مع المنتظرين ساعة وعشر دقائق الى حين خرج موظف الصندوق ليُعلن بالفمّ الملآن: “السيستام” معطل. ماذا يعني هذا؟ أجاب: “معناه إذهبوا وعودوا يوم الثلثاء”. صرخ به رجل: “وليش ما صلحتوا السيستام البارحة؟ وليش قطعتوا الخطوط طالما لستم قادرين أن تفتحوا السنترال؟ وليش عمبتبهدلونا؟”. أجابه بخبث: “أنت كمن يريد أن يشتري مني بطيخ وأنا أبيع تفاح… إذهب واسأل الدولة”. بكى الرجل المسن من حنقه. وبدأ الصراخ من الميلين. سألته إحداهنّ: أي ساعة تفتحون الثلثاء؟ أجابها: بين التاسعة والثانية عشرة. وأقفل الباب ومشى.
إنتقل من يملكون مركبات، ومعهم من أتوا مشياً، نحو سنترال الجديدة. وهناك مصيبة أخرى. الباب الرئيسي مغلق وموظفة تطل من حين الى آخر، من خلال كوة صغيرة في باب جانبي، لتُجيب بعض من يلحون بالوقوف والسؤال. الصندوق مقفل ويفتح الإثنين والأربعاء من التاسعة حتى الواحدة ظهراً. وتعميم آخر ملصق: تمّ إقفال جميع مراكز بيع أوجيرو موقتاً حتى إشعار آخر، حرصاً على سلامة العاملين في الهيئة والزبائن الكرام، على أن يتم إستقبال طلبات المواطنين عبر الاتصال برقم 1515 أو عبر الموقع الالكتروني.
سنترال الجديدة
ما دامت وزارة الهاتف وأوجيرو يهمهما أمر “الزبائن الكرام” فلماذا “يشرحطونهم” هكذا؟ لماذا لم “يخرطش” معاليه بعض الكلمات عبر “تويتر”، كما فعل يوم أعلن التأجيل، ليخبر الزبائن أن خطوطهم ستُقطع إذا لم يُسددوا؟ مشغول؟ هموم الوزارة كثيرة؟ ننظر في وجه المرأة التي يكاد وجهها يلامس الأرض، لعبث السنين بعظامها، تنظر في الأفق بحثاً عن خيار، عن حلّ، عن أفق، فلا ترى إلا باباً موصداً وخط هاتف مقطوعاً. فتمشي ولا تلوي على شيء.
من أصرّوا، وما زال لديهم أمل، إنتقلوا الى سنترال أنطلياس. المركز يفتح طوال الأسبوع. إبتسمت بعض الوجوه. اللبنانيون شعب يعملون بمقولة: إستعن بالله ولا تعجز. وقفوا في صف طويل وانتظروا أن يأتي الدور والفرج. ساعة، أكثر، هناك من تذمر وهناك من تسامر وهناك من بدا، من تحت القناع، وكأنه مقلوب الشفتين. موظفة واحدة تعمل لكنها بصوتِها “قدّ عشرة”. وبين الحين والآخر ترش سبيرتو في الأجواء، وحين تسمع من يتذمر تتمتم بصوتٍ عالٍ: “آتي يوميا لخدمتكم وإلكم عين تحكوا كمان…”. وصل دور السيدة الحريصة على السداد وبحوذتها أربعة أرقام، تريد سداد ما يستحق عليها، فقالت لها العاملة بغضب: الأولوية لمن يريد أن يدفع عن رقم واحد. أجابتها السيدة: هل تعنين أنني يجب أن آتي بأربعة أشخاص إضافيين ليسددوا؟ مرّ مَن وراءها وحين أتى الفرج دفعت وغادرت، وكأنها ربحت مليون دولار، عائدة الى بيروت. زحمة سير شديدة وكأن لا كورونا ولا مفرد ومزدوج ولا تعبئة وتدابير وإجراءات… وفي قلب الزحمة فلفشت الفواتير فوجدت فاتورة ليست لها. عادت أدراجها وهي تلعن الإتصالات وكل ما يتحدر منها. وحين وقفت في وجه الموظفة وأخبرتها أجابتها: كوني مكاني وشوفي شو بيصير فيك.
هي لن تكون مكانها. والدولة، ومن فيها، لم يضعوا أنفسهم لحظة في الأزمة التي قد تحصل بسبب قرارات “خنفشارية” يتخذها وزير “بطبلٍ وزمر” ويعود عنها خلسة!
قبضت وزارة الإتصالات ما يستحقّ لها. تُرى ماذا سيحصل بعد شهر مع من أعطوا حق التريث بسداد القروض السكنية؟ سؤالٌ يفترض أن تجيب عنه “الدولة” باكراً!