أبدأ بتحية برتقالية، وأذكِّر بأنني وبتاريخ 17 نيسان 2015 ومن على صفحات جريدة الجمهورية بالذات، كنت قد دعوت الدكتور سمير جعجع الى تأييدك مرشحاً رئاسياً، أي قبل تسعة أشهر بالتمام من إقامة اتفاق معراب الطيّب الذكر والكلِّي الطوبى، ويوم كان كلٌ منكما يرى الآخر كأنه شبحٌ داعشي.
وليس مهماً يومها ما إذا كنت مقتنعاً بما دعوت إليه، بقدر ما كان الأهم عندي تلك الضرورة الوطنية التي تحتّم تعبئة الفراغ الرئاسي بصرف النظر عن الشخص، لأنَّ الشخص يأتي ويذهب، أما الرئاسة فإنْ ذهبت فقد لا تعود.
والآن، وبعد سنتين وما يقارب النصف سنة، لا تزال رئاسة جمهورية لبنان هائمة في الصحراء بين بلاد العرب والعجم، ذهبَتْ، وإنْ هي عادت فلن تكون إلّا مشوهة الوجه وقد فقدتْ طهارتها البكر وتعرَّضَتْ غير مرّة لزواج المتعة.
يا حضرة الجنرال
ما دامت المعادلة الرئاسية التي تواجهنا اليوم بشراسة هي: إما أن تنتخبوا العماد عون رئيساً، وإمّا أن تتسمَّروا على صليب الفراغ الى ما شاء الله، فليس من المستبعد إذ ذاك، ومع استمرار الجلجلة أن يصلّي الله على الرئاسة ويسلّم.
وما دمت أنت القائل: إنك تخوض آخر معارك المسيحيين لاسترداد حقوقهم، فليس من المستبعد أيضاً أن يؤدي استمرار المعارك الى خسارة آخر حقوق المسيحيين.
يوم دعوتُ أنا الى تأييدك في السابق، لم تكن المواجهات ترتدي هذا الطابع من التحدّي العنيف في ما هو فعلٌ وردّات فعل، ولم تكن رئاسة الجمهورية في لبنان ورقة أساسية في لعبة المواجهات الإقليمية، فيما هي اليوم قد زُجَّتْ بحرارة في الصراع المحموم حيال الخسارة والربح.
وفي معادلة الصراع الداخلي هناك انقسام متأجِّجٌ أيضاً بين مَنْ هُمْ معك، ومن هُمْ عليك، وقد أصبح الموضوع الرئاسي أقرب الى العنف الإنتخابي منْهُ الى الإنتخاب الديمقراطي، وهذا يضع البلاد أيضاً بين خيارين: إمَّا أن يستمرَّ الفراغ، وهذا يعني حرب إلغاء لكل مقومات الدولة والجمهورية والوطن، وإمَّا أن يرضخ الفريق الذي يعارضك فينتخبك مكرهاً تحت وطأة الضغط والتسليم القسري، أو تحت رهبة تحاشي الدمار الكامل والإنهيار.
ولست أراك ترضى وفق هذه المعادلة بأن تكون رئيساً إكراهياً، وأكثر من نصف اللبنانيين يعتبرون أنفسهم مقهورين برئاستك.
ولست أراك ترضى أيضاً بأن تكون الرئاسة هي المسمار الذي «يخلخل» ما بنيَتَ في تاريخ قصير، ما عجز عنه الزعماء الكبار في تاريخهم الطويل.
ألا ترى معي، أنَّ الزعيم هو أكبر من الرئيس؟
وأنَّ الممرّ هو أهمّ من العابرين؟
وأنَّ من يأتي بالآخرين هو أقوى وأعظم من الذين يأتي بهم الآخرون؟
يا حضرة الجنرال
عندما يكون القصر للرئيس أشبه بالحوت الذي ابتلع النبي يونان في البحر يصبح الزعيم بحراً يغرق فيه الرؤساء.
والسلام.