المشهد الحقيقي الذي ينبغي التوقف عنده ملياً في هذه الآونة، في لبنان والدول العربية الشقيقة، هو في غير المكان الذي يشد انتباههم حالياً، واهتمامهم وغرائزهم. الحدث الحقيقي اليوم في لبنان ليس أزمة العلاقات مع الأشقاء في الخليج، ولا الشغور الرئاسي، ولا تحول سويسرا الشرق الى مكب للنفايات! والحدث الحقيقي عربياً ليس هو اليوم في سوريا حيث الولادة القيصرية للهدنة، ولا في العراق المشرذم، ولا في بلدين عربيين تحولا الى مكب لأطنان القنابل والصواريخ وتحولا الى ركام، وهما اليمن وليبيا.
***
المشهد الحقيقي هو اليوم في مصر، وتحديداً في مجلس النواب المصري حيث استحق نائب يدعى توفيق عكاشة الضرب بالحذاء، واتهامه بالخيانة، والمطالبة بإسقاط عضويته في البرلمان، ولكن لماذا؟ لأنه استضاف السفير الاسرائيلي في منزله في محافظة الدقهلية! ولم يكن الحدث فردياً بين نائبين، بل كان حدثاً استقطب غضب غالبية من النواب حملت رئيس المجلس على إحالة عكاشة الى لجنة تحقيق. واحتج أحد النواب على ضرب عكاشة بالحذاء لأن اللائحة الداخلية للمجلس لا تنص على عقوبة الضرب بالحذاء! في حين اعتبر البعض أن ضرب هذا النائب بالحذاء خفض من قيمة هذا السلوك، لأنه كان في السابق على مستوى الدول العظمى، مثلما جرى عندما ضرب الرئيس السوفياتي خروتشيف الطاولة بحذائه في الأمم المتحدة… أو عندما رشق صحافي بحذائه الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في مؤتمر صحافي في بغداد!
***
مصر تغلي اليوم بالغضب ضد هذا العكاشة على الصعيدين النيابي والشعبي والدافع الحقيقي هو خرقه لمنع التطبيع مع العدو الصهيوني! وهذا يجري في مصر بعد مرور نحو ثلاثة عقود ونيف على الصلح المنفرد بين مصر واسرائيل، بكل ما يحمله ذلك من معاني الاعتزاز الوطني والقومي بعروبة مصر، وأصالة هذا الشعب المصري العظيم. وهذا يعني أن جذوة العروبة في مصر الشقيقة لا تزال على أشدها، وأنها جزء من الروح القومية العميقة التي قد تصبر على محظورات أملتها ضرورات محددة في الزمان والمكان، ولكنها لن تخبو ولن تتقاعس، متى آن الأوان، لالغاء الخطأ التاريخي وتصويب المسار من جديد! وهذا العكاشي المصري ما هو الا جزء من منظومة عكاشيين مزروعين في كل مكان في المنطقة العربية، وسيأتيهم الدور لرشقهم بما هو أقل منزلة من الأحذية…
***
ولك العز والمجد يا شعب مصر العظيم! –