دخل عمر بن الخطاب القدس على دابته سنة 638م والاسلام في فجره وأجراس الكنائس تقرع ولا وجود للمسلمين بعد في هذه المدينة ولا وجود لمسجد فيها، فسلمه بطريرك القدس صفرونيوس مفاتيحها ودعاه لإقامة صلاته في كنيستها، فتمنع عمر عن ذلك خوفاً من أن يحول المسلمون الكنيسة إلى مسجد، وصلى خارج الكنيسة.
ولتوثيق العلاقة بين المسيحيين والمسلمين سطّر عمر وثيقة تاريخية تعهد فيها القبول بالمسيحيين وعُرفت تاريخياً بـ «العهدة العمرية» قال فيها: هذا ما أعطى عمرٌ أمير المؤمنين أهل إيلياء (القدس) من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وأن لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يُضار أحد منهم.
في سنة 759م ثار أهالي المنيطرة المسيحيون على ظلم الوالي العباسي آنذاك (صالح بن علي) الذي جيّش حملة بهدف طرد أهالي هذه المنطــقة والتنكيل بهم وتأديبهم ردّا على انتفاضتهم، فسالت دماء وظُلم أبرياء لا علاقة لهم بالحدث. عندها انتفض الإمام الأوزاعي البعلبكي وقصد الوالي العباسي وهو في أوج سلطته لرده عن ظلمه وكانت فتواه الشهيرة «لا تؤخذ العامة بذنوب الخاصة»، ورضخ الوالي العباسي لرأي الإمام الأوزاعي.
حدث ذلك في فجر الإسلام واستمرت الكنائس في قرع أجراسها والمآذن برفع أذانها إلى أيامنا السوداء هذه حيث تقطع الرؤوس وتُدمر الأديرة باسم الدين والدين منها براء.
ومع هذا، وبالرغم من هجمات المغول الجدد بأعلام دينية مزيفة، لا يزال لبنان مؤهلاً لرد هذا التعدي على القيم الإنسانية. فلنعمل معاً كي لا تضيع هذه الفرصة ليبقى لبنان منارة مضيئة في هذا الظلام الدامس.