يطوي الرئيس الأميركي باراك أوباما بدءاً من هذا اليوم الربيعي صفحات من العداء المرير بين الولايات المتحدة وكوبا. يحاول فتح صفحة جديدة يمكن أن تعيد دفئاً كان سائداً يوماً ما في العلاقات بين الأميركيين والكوبيين. يمدّ نظيره الكوبي راوول كاسترو يده – على عين شقيقه “الكومندانتي” فيديل – ليصافح زائراً “عزيزاً“.
يتساءلون في شوارع هافانا عما إذا كان الوقت قد حان لتنال خطب الثورة ما حصل عليه زعماؤها من تكريم. هل ينبغي وضعها في المتاحف وفي دفاتر التاريخ؟
يمكن هذا الحدث أن يكون عبرة في لبنان، في أي بلد آخر تحتدم فيه العواطف الجيّاشة أو المواقف السياسية المدروسة حيال كل ما دار في عالم الأمس، أو ما يدور في عالم اليوم. الذين يعزّ عليهم نيل الدروس من كوبا يمكنهم أن يعتبروا من ايران. وجدت الجمهورية الإسلامية نفسها تتخلى أخيراً – ولكن بطريقة مختلفة – عن الشعارات التي يحتاج بقاؤها الى سفك الكثير من الدماء.
وداعاً هنا وهناك لهتافات “لا شرقية ولا غربية“، وداعاً لرايات “نكرهكم أيها الإمبرياليون“!
لا ضير في التذكير بأن الرئيس ذا السحنة السمراء جاء الى البيت الأبيض بسلة كبيرة من الوعود. رفع راية “التغيير” شعاراً. بدرجات متفاوتة، نجح هنا وأخفق هناك وهنالك. “أنجز” الإتفاق بين الدول الست الكبرى وايران، على رغم الشكوك العميقة والمخاوف الحقيقية لدى دول الجوار وشعوبها. ها هو يتوّج بزيارته التاريخية هذه جهوداً دؤوبة بدأت منذ نهاية عام 2014 لإحداث تغيير “جذري” في طريقة تعامل الإدارات الأميركية المتعاقبة مع كوبا، الجزيرة المتمردة على مسافة نحو 90 ميلاً من السواحل الجنوبية للولايات المتحدة.
لن تقلل زيارة أوباما وسياسة الإنفتاح مع الأميركيين شأن اعتزاز الكوبيين بأنفسهم. لن تقلل احترام العالم لبقائهم واقفين أكثر من نصف قرن في مواجهة الحصار الأميركي الجائر لجزيرتهم.
عاد العلم الأميركي كبيراً يرفرف أمام سفارة الولايات المتحدة في كوبا. حارس واحد أمام الباب. لا تخلو من المفارقات عودة السفارة الى مكانها على جادة ماليكون الشهيرة عند الشاطىء الكاريبي لهافانا. في سني الثورة، تحوّل محيطها ساحة يخطب فيها فيديل وراوول وتشي غيفارا ضد السياسات العدائية للولايات المتحدة.
تشبه جادة ماليكون الى حد بعيد كورنيش المنارة، حيث كانت أيضاً السفارة الأميركية. واحدة تطلّ على البحر الكاريبي وواحدة تشرف على البحر الأبيض المتوسط. في أيام العداء، دفع العجز الى الإنتقام من السفارات. في أمكنة كثيرة من لبنان والعالم العربي، كان التغني طويلاً بهذه الحقبة الرومانسية.
غنى اليساريون كثيراً: “يا رفاقي في كوبا الأبيّة“!