سياسة النفاق والخداع في واشنطن مستمرة على مختلف المستويات ان في وزارة الخارجية، أو في الأمم المتحدة، أو في البيت الأبيض. وما يعرب عنه كبار المسؤولين الأميركيين من مشاعر الدهشة والصدمة حيال أحداث تجري على المسرح السوري، ما هو إلاّ جزء من التمثيلية. وهي مشاعر مصطنعة، لأن الأجهزة الدبلوماسية والاستخبارية الأميركية هي أول من يعلم ب الأحداث المفاجئة والصادمة، ليس بعد وقوعها، وانما قبل حدوثها! وهي جزء من سيناريو فيلم رعب أميركي طويل في سوريا والمنطقة!…
***
ما جرى في بلدة خان شيخون في ريف ادلب، لا يختلف في جوهره عما جرى في أنحاء سوريا والمنطقة في السنوات الست الماضية. وقد كانت غالبية أحداثها المفاجئة معدّة سلفا على طريقة الاكارت في المطاعم الفخمة حينا، أو على طريقة الدليفري حينا آخر، في المطاعم الشعبية والوجبات السريعة! وكله يجري بحساب مدروس بهدف اطلاق سلسلة صدمات كهربائية تحدث ردّ الفعل المطلوب سياسيا ودبلوماسيا ومحليا واقليميا وعالميا، وأيضا نفسيا بتهييج مشاعر الكراهية والأحقاد في الداخل، والاشمئزاز والغضب في الرأي العام الخارجي.
***
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نجم تلفزيون الواقع سابقا، يريدنا أن نصدق اليوم، ان مشاعره المرهفة خدشت بما حدث في خان شيخون، وان مقاربتي ونظرتي للرئيس الأسد تغيّرت كثيرا، هكذا فجأة، بين عشيّة وضحاها، وكأن رئيس الدولة الأعظم في العالم، هو مجرد مشاهد تلفزيوني لدراما حزينة على أرض الواقع، وتتغير النظرة الى أبطالها بحسب الدور الذي يقوم به كل واحد منهم! وأن نصدّق أيضا قوله من انه لا يريد أن يكشف طريقة تفكيري وتوجهاتي العسكرية بشأن سوريا!
***
هذا على الرغم من أن ما يفعله الرئيس ترامب منذ وصوله الى البيت الأبيض، مكشوف تماما، رغم كل محاولات احاطته بالمغمغة حينا، والضبابية حينا آخر! والتعزيزات العسكرية التي أرسلها ترامب على عجل الى كل من العراق وسوريا، والى محيط كل الموصل العراقية والرقة السورية وكردستان، تفضح النيّات والمخططات بصورة غير قابلة للجدل… فتحت شعار تدمير داعش، تعمل أميركا على احتلال أرض الخلافة الداعشية بعد القضاء على داعش، والبقاء فيها مع حلفائها من المنظمات والأنظمة في المنطقة، وليصبح الاحتلال الأميركي لهذه الأجزاء من الأراضي السورية والعراقية، هو مفصل القطع الفاصل بين ايران والبحر الأبيض المتوسط. وفي مرحلة تالية يكون هذا الاحتلال الأميركي، هو المقص الذي سيفصل الخريطة الجديدة في المنطقة، في سوريا والعراق وغيرهما!