الآن وقد تحررت من اجراءات حمايتك، وصار بإمكانك التجول بكل راحة، سوف امر عليك لآخذك معي في رحلة بيروتية.
سنذهب الى الكورنيش البحري في عين المريسة. نأخذ من احد الباعة المتجولين فنجان قهوة بألف ليرة ونركن السيارة مجانا في مكان عام لا يضطرنا لدفع بدل الوقوف. نترجل ونمشي على الرصيف.
انتبه يا سمير،
هذا الرصيف لا يشبه الاسمنت الصلب في باحة سجن عسقلان او سجن نفحة. غريب امر ذلك الاسفلت لم يقم الجلاد يوما بصيانته. عمره من عمر السجون. طبعا انت لاحظت ذلك اكثر مني. كذلك الامر بالنسبة لجدران المعتقل. تصور يا سمير ان السياج والاسلاك الشائكة لم تهترئ، هل لاننا ألفناها وعاشت معنا فلم نستطع التمييز ان كانت فعلا قد تغيرت. المهم أن هذا الاسفلت البحري لن تجد صعوبة في السير عليه.
قلت لي مرة انك مشتاق للسير على الرمل. حسنا. سنختار أمكنة لم تطأها قدم من قبل، لكن اريدك ان تخبرني حينها عن آخر مرة مشيت فيها على رمل شاطئ صور قبل ان تذهب الى فلسطين لتعود منها إلينا ومن ثم تتركنا إليها مجددا.
غريب أمرك يا سمير.
تكنّ كل هذه المكنونات من الحب للبحر. لكن هل سبحت بعدما خرجت من المعتقل؟ هل ذهبت الى منتجع بحري وامضيت هناك وقتك بعيدا عن كل هذا الضجيج.
أعرف أنك لم تفعل ذلك ولم تفعل كل ما فعلناه نحن، لذلك لم اكن لأتفاجأ بدهشتك وإصغائك وان كان به بعض الترفع عن لذات حياة كنا نروي لك بعضها عند كل لقاء.
سأخبر سرا يا سمير،
كنت أنظر إليك كما لو انني الاسير القادم حديثا الى المعتقل وانت القابع هناك منذ زمن طويل، تحاول ان ترسم بمخيلتك ما يسرد امامك تماما كالعطش الذي كان يسيطر علينا لمعرفة كل التفاصيل خارج الاسر.
قل لي هل تستطيع قيادة السيارة بنفسك، هل لديك دفتر قيادة؟ ان كان لديك فلا بأس، لسوف انتظرك في مقهى يضج بالاصدقاء والمناضلين امثالك. لكن قبل ان تصل الينا خذ معك صغيرك علي. اصطحبه الى مدينة الملاهي، اعطه بعض وقتك، وراقب فرحه معك وبك، وكرر ذلك اكثر من مرة. عندها، ستراه يكبر امامك ويتعرف من خلالك الى الحياة. خذه الى محل السمانة ودعه يختار ما يرغب من سكاكر، فالاطفال يحبون ان يبتاعوا الاشياء بأنفسهم. رافقه الى صالات السينما لمشاهدة فيلم جميل للاطفال. شاهد معه الرسوم المتحركة، وعبر أمامه عن اعجابك بها ولا تدعه يشعر أن دور السينما قد صدمتك بتقنياتها.
رفيقي سمير،
وانت قادم الينا، لا تنسى ان تترك الكوفية الفلسطينية في المنزل. قل لزينب ان تحفظها لك في مكان آمن او تلف بها بندقيتك المهاجرة مثلك، وتعال.
تعال، سنكون في انتظارك وإن تأخرت في الوصول الينا، لكن لا تجعلنا نطيل الكلام عنك بعد ان منحت نفسك صفة جديدة… وقد صرت حرا بعد استشهادك أكثر من أي يوم من أيام الأسر والحرية.