Site icon IMLebanon

إنفصال عن الواقع

 

هو إعلان «سمك بالبحر»، ترقّب اللبنانيّون كلمة رئيس البلاد وكانوا قد توقعوا مسبقاً أنّه سيكون حديثاً في النّفط، في وقت هم يريدون من رئيس البلاد كلاماً يصارحهم فيه ويكاشفهم بواقع البلاد الخطير الذي يجد فيه اللبنانيّون يتعرّضون لأبشع أنواع الذلّ اليومي الذي أضيف إليه أنهم مكرهون على مواجهة «وباء» دخل البلاد والدولة عاجزة عن اتّخاذ إجراءات حقيقيّة في مواجهة فيروس «كورونا» ولم تقم بما يتوجّب عليها من فرض حجراً صحي على الرّكاب القادمين من أي دولة موضوعة على خارطة الدول التي ضربها «كورونا»، تنازلنا عن مطلب تعليق الرحلات الآتية من إيران، ولكن التقصير وعدم قيام وزارة الصحة بواجباتها في إنشاء حجر صحي لركاب هذه الطائرات والضحك على اللبنانيّين بخدعة «العزل المنزلي»، كلّ هذه غابت عن كلمة رئيس البلاد العماد ميشال عون، لقد شغلته أفراح «النّفط» التي احتكر إنجازها للوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحرّ!

 

ابتهاج مبالغ فيه وإعلان يحتاج إلى عشر سنوات لتحقيقه «دخل وطننا رسمياً نادي الدول النفطيّة»، من المؤسف أنّ واقع البلاد لا يسمح بهذه الخفّة في التعاطي مع مآسي اللبنانيين، وكأنّ خطاب الرئيس عون جاء من ضمن سياق بازار مزايدة التيار العوني في ادّعاء إنجازات بطولية، ستنطلق عمليّة الحفر وهي عمليّة إستكشافيّة لوجود النفط وعلى أي عمق هو، مجرّد إستكشاف قد لا يؤتي ثماراً حقيقيّة في حال كان النّفط على عمق سيكلّف الشركة التي التزمت هذه المهمّة أكثر بكثير من ربح النّفط الذي سيستخرج، بمعنى أنّ هذا الابتهاج ليس أكثر من مناورة «بيع سمك بالبحر» للبنانيّين، والمثل معروف في هذه الحالة «حدا بيشتري سمك بالبحر»، أو المثل الذي يستخدمه رئيس المجلس النيابي «ما تقول فول ليصير بالمكيول»، ولكن ماذا نقول، «جبران باسيل مستعجل على إلصاق إسمه على المشهد»!!

 

الكلمة التي توجّه بها رئيس البلاد إلى شعبه بالأمس في ظل بحرٍ من الأزمات يغرق لبنان الذي لا يعرف فيه الشعب ماذا ينتظره في الغد، مع حكومة عاجزة لم يجد رئيسها دولة واحدة تعترف به وتستقبله، والدولتين الوحيدتين اللتين الجاهزتين لاستقباله هما إيران والنظام السوري في دمشق، هذه حكومة معزولة منبوذة، هذه هي الحقيقة، لا أحد يعرقل زيارات رئيسها إلى أي دولة لا عربية ولا أجنبيّة، لقد تمّ وسم لبنان وحكومة الدكتور حسّان دياب بحزب الله، للمناسبة من المفيد تذكيره بأنّه عندما أتى حزب الله بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم يجد دولة عربيّة مستعدة لاستقباله، حتى استسلم هو وحزب الله فهرول الحزب يستجدي حكومة وحدة وطنيّة!!

 

لم يكن هناك من داعٍ بالأمس للكلمة التي خاطب الرئيس بها اللبنانيين، الواقع اللبناني لم يعد يسمح بتصديق هذه العناوين الفضفاضة، هل يصدّق العهد أنّ لبنان سيبقى على قيد الحياة في انتظار النّفط؟! الشعب في وادٍ والعهد ومعه الحكومة العاجزة في واد حتى لو منحت عشرات الفرص ومن لا يريد أن يرى هذه الحقيقة فهذا شأنه، كان الرئيس بغنىً عن كلمته هذه التي جعلت اللبنانيّين يجدون أنّه يعيش حالة إنفصال عن الواقع…

 

من الذي أشار على الرئيس بهذه الكلمة من أعدّ نصّ الكلمة التي تمّت فيها «بروزة» الوزير السابق جبران باسيل كأنّه زارع النفط في بلوكات بحر لبنان، الذي يعيش أزمة فقدان مدخراته وذلّ استجداء جنى عمره على أبواب البنوك التي تحتجز راتب المواطن وتعطيه منه 50 دولار لا تكفيه لأكل «خبز حاف» طوال الشهر، فيما كان رئيس البلاد يحاول أن يقنعنا بالأمس أنّنا «دخلنا نادي الدول النفطيّة»، كان ينقص المشهد تلك اللوحة الإعلانية «شكراً جبران باسيل»!