ليس من المعروف للرأي العام اللبناني بقدر من الدقّة، ما اذا كانت القوى الغربية التي استعمرت المنطقة العربية، على علم قديما بوجود النفط والغاز في باطن الأرض اللبنانية، وتحت مياه البحر على امتداد المنطقة من سواحل تركيا الى سواحل مصر. ومن الثابت ان وجود هذه الثروة الوطنية في لبنان برّا وبحرا لم يعد سرّا منذ ستينات القرن الماضي، وقد كشفه خبراء لبنانيون وغيرهم. غير أن الحكومات المتعاقبة على مدى عقود تجاهلت هذا الواقع، ولم تقم بأية مبادرات جدّية للاهتمام بهذا الحدث، ما يثير الدهشة والتساؤل والشكوك. واذا كان وجود النفط والغاز في لبنان خبرا طيّبا للبنانيين أنفسهم، فانه لم يكن كذلك بالنسبة لغيرهم… ذلك ان اكتشاف النفط في الخليج في ثلاثينات القرن الماضي جذب كامل الانتباه والاهتمام الى تلك المنطقة من العالم، وركّزت الشركات العالمية على المنطقة الخليجية. ولم يكن في مصلحة المنتجين الجدد وجود مضاربين جدد لا في حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا في غيره، بل وكان هناك ما هو أدهى!…
***
الأدهى كان قيام كيان الاغتصاب الاسرائيلي على أرض فلسطين، وتوجه أميركا والغرب بصفة عامة نحو دعم المولود الصهيوني، وحمايته وتقويته بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك العمل على اضعاف كل دول الجوار العربي، كبيرها وصغيرها على السواء، من مصر الى لبنان. ووجود النفط والغاز في لبنان كان خبرا مزعجا لاسرائيل ولحماتها في الخارج. وجرى العمل على طمس هذا الموضوع في العلن، كما مورست ضغوط مستترة على الحكومات اللبنانية المتعاقبة بكل الوسائل المتاحة لابقاء موضوع النفط خارج جدول أعمالها. وحدث ذلك في زمن شاعت فيه مقولة قوة لبنان في ضعفه! ولكن الزمن تغيّر ودارت دورته، ووصلنا الى يوم تجرّأت فيه الدولة اللبنانية على اتخاذ قرار استثمار ثروة النفط والغاز وتنفيذه! ومن البديهي ان تكون اسرائيل أول المنزعجين من هذا القرار السيادي اللبناني. والفارق بين الماضي والحاضر ان الدولة العبرية تلجأ اليوم الى التهديد العلني والمباشر، بينما كانت في الماضي تلجأ الى ضغوط حماتها. والفارق الثاني ان لبنان يؤمن اليوم بمقولة قوة لبنان في قوته لا في ضعفه!
***
الشركات الثلاث الملتزمة العمل في البلوكين ٤ و٩ معا لا تمثل مصالحها فقط، وانما تمثل مصالح دولها أيضا. وهذه الشركات تحمل جنسيات دول عظمى وكبرى وهي روسيا وفرنسا وايطاليا. وليس من المتوقع ان ترعب تصريحات وزير اسرائيلي مهووس بلغة التهديد مثل وزير الحرب ليبرمان، لا القيادة اللبنانية، ولا شركات عالمية لها وزنها، ولا دول مثل روسيا وفرنسا وايطاليا، وتترك شركاتها فريسة للعربدة الاسرائيلية. وفي الوقت الذي يسعى فيه العالم الى إقفال ملف الحروب العبثية في المنطقة من اليمن الى سوريا، فهل سيكون من المقبول ان تعربد اسرائيل بحرب جديدة في المنطقة انطلاقا من لبنان؟! والكل يعرف في دوائر القرار وخارجها، ان مثل هذه الحرب ستكون مدمرة فعلا، ولكن ليس لطرف واحد وانما للطرفين معا! ولم يعد لبنان مجرد لقمة سائغة في شدق اسرائيل، والحرب لم تعد مجرد نزهة لجنود الاحتلال الصهيوني، وسيكون طابخ السمّ آكله!
***
ليس على لبنان سوى المضي باصرار في استثمار ثروته الطبيعية. ولعل القيادة اللبنانية تفكّر مستقبلا وبعد الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة، بوزير تكنوقراط من كفاءات لبنان البارزة في دول الانتشار، ويكون هو الوزير الثابت في كل الحكومات اللبنانية المتعاقبة!