امكانات النفط والغاز في شرق المتوسط اتضحت عملياً منذ سنوات. فالغاز اكتشف قبالة غزة منذ 15 سنة، لكن تطويره علق لخلافات بين اسرائيل وشركة الغاز البريطانية التي حققت الاكتشافات بالمشاركة مع شركة C.C.C للتعهدات.
ثم اكتشف الاسرائيليون مكامن غاز ضخمة في حقل تامار القريب من حدود المياه الاقليمية وحقل ليفيتان – أي العملاق – في منطقة لا تبعد كثيراً عن امتداد المياه الاقليمية اللبنانية. واصبحت اسرائيل تعتمد على غاز حقل تامار لانتاج 60 في المئة من حاجاتها للكهرباء، بينما واجه تطوير حقل ليفيتان اعتراضات في صدد الاحتكار من شركة نوبل الأميركية – الاسرائيلية. لكن رئيس وزراء اسرائيل اتخذ موقفًا مناهضًا لدعاة محاربة الاحتكار والعمل على الاسراع في الانتاج سيكون قريبًا، وحينئذٍ تستطيع اسرائيل كفاية حاجاتها والتعاقد على التصدير، وقد بدأت محادثات مع الاردن ومصر لتحقيق اتفاقات تضمن للبلدين صادرات غاز منها، هذا مع العلم ان شركة ايني أعلنت عن اكتشاف كبير في أيلول الماضي لموارد غاز في المياه الاقليمية المصرية.
في المقابل، ماذا فعلنا؟ أكدنا للبنانيين ان ثروة الغاز والنفط في مياهنا، ومنذ ثلاث سنوات بشرنا اللبنانيين ان موارد النفط والغاز ستعزز قدراتنا التعليمية، وتسمح بانجاز معامل توليد الكهرباء بالطاقة النظيفة والمنخفضة الكلفة، واننا نستطيع تجهيز الجيش بحاجاته، ومباشرة خفض الدين العام. كل ذلك قيل قبل انجاز أي اتفاق مع أي شركة نفطية محترمة، ولو توافر اتفاق كهذا لكان علينا الانتظار سبعاً إلى ثماني سنوات قبل تأمين انتاج الغاز أو النفط.
منذ ثلاث سنوات بدأ البحث في تشكيل هيئة لادارة شؤون النفط واستغرق التوافق على صلاحيات الهيئة والوزير، والتوازن المذهبي سنة قبل تأسيس الهيئة. وظهر من نظام تأسيسها المنحى المذهبي المنافي لاعتبارات الانتاج، وبرزت بصورة خاصة معايب النظام من النص على تناوب الاعضاء الستة على الرئاسة سنة بعد سنة. بمعنى آخر، اذا ترأس الهيئة عضو غير فني، اي غير اختصاصي في شؤون النفط والتنقيب والتسويق، يصبح عمل الهيئة بطيئًا للغاية. وحيث ان ثلاثة أعضاء في الهيئة لم تكن لهم أي علاقة بشؤون النفط والغاز، واجهنا غيابًا في السنة الثانية من عمر الهيئة لان الرئاسة آلت الى عضو غير فني، في حين أن رئيس الهيئة للسنة الاولى كان يتمتع بمزايا قلما توافرت للبناني في هذا الحقل. رئيس الهيئة من 2016/1/1 فني ويتمتع بقدرات تحليلية للانظمة المالية.
وساهم في عجز الهيئة عن الانجاز انتقاء جهاز الموظفين على أسس مذهبية تأثرت بآراء ومواقف أعضاء الهيئة الذين اختيروا على أساس مذهبي. وهكذا كبّلنا الهيئة بأثقال اللاانتاجية منذ تشكيل مجلسها واعطاء اعضائه صلاحيات اختيار الموظفين من مذاهبهم.
أما المؤثّرون في اتخاذ القرارات الحكومية والتشريعية ومن هذه المراسيم التطبيقية للعقود، فقد تمترسوا بمطالب الحقوق لكل طائفة ومذهب، كأن النفط والغاز تحت الأرض في أي بقعة من لبنان ومياهه الاقليمية ليس ملكًا للدولة كما تنص القوانين منذ عشرات السنين، فاصبح تحديد مناطق البحث والتنقيب خاضعًا لآمال السياسيين، وبعض هؤلاء مارسوا ضغوطًا للحصول على منافع مادية في مقابل مساندتهم لهذه الشركة أو تلك، ونتج من ذلك قرف لدى العديد من الشركات العالمية من التعامل مع المسؤولين اللبنانيين.
شهدت السنتان المنصرمتان تطورات غير متوقعة في صناعة الغاز والنفط، ومؤتمر باريس الذي انقضى في نهاية 2015 أصدر توصيات تؤثر في استعمالات النفط ومشتقاته كما في استعمال الغاز واصبحت الصورة غير ما كانت.
بداية تدهور سعر النفط من 100 دولار للبرميل الى 50 دولاراً قبل نهاية عام 2014، ثم تابع سعر النفط تدهوره الى مستوى 40 دولاراً للبرميل. وأسعار الغاز تدهورت من أربعة دولارات لكل الف قدم مكعب، وكل 6000 قدم مكعب يوازي بالطاقة الحرارية برميلاً من النفط، الى 1٫75 دولار، أي ما يوازي 10٫5 دولارات لبرميل النفط.
لقد نتجت هذه التطورات من الاسراع في انتاج الغاز والنفط من صخور الطفال في الولايات المتحدة. فقد ارتفع انتاج الغاز الى مستوى سمح للولايات المتحدة بالتخلي عن عقود لاستيراد الغاز المسيل من الجزائر وقطر وأندونيسيا، والاعداد لتصدير الغاز المسيل الى أوروبا بدءًا من 2017. كما ان نسبة استهلاك الغاز من مختلف مصادر الطاقة في الولايات المتحدة سواء منها الطاقة من النفط، الفحم الحجري، المعامل النووية، السدود المائية، الطاقة الشمسية والهوائية الخ ارتفعت من نسبة 30 الى 32 في المئة وهذه الاثنان في المئة تعادل استهلاك 700 الف برميل يوميًا من النفط. وحققت الولايات المتحدة كفاية في انتاج النفط، بل وجد المشرعون الأميركيون سببًا لايقاف العمل بقرارات تمنع تصدير النفط من الولايات المتحدة. وساهم في انخفاض اسعار النفط والغاز امتناع الدول المصدرة والمنتجة عن خفض انتاجها، وأهم هذه على صعيد النفط الولايات المتحدة، فالسعودية، ومن ثم روسيا، وعلى صعيد الغاز روسيا وقطر.
بالنسبة الى لبنان، انخفضت حماسة الشركات للاشتراك في المفاوضات المفترض البحث فيها بعد اقرار المراسيم التنظيمية وهذه لن تنجز في افضل حال قبل ستة الى تسعة أشهر خصوصاً ان الشروط المفترض تحصيلها قد تعدلت جذريًا وباتت هنالك حاجة ملحة الى اعادة النظر فيها.
التوقعات الجيولوجية في لبنان تفيد ان أعماق آبار البحث والتنقيب تفوق الـ3000-5000 متر، والتكاليف أصلاً مرتفعة، والالتزامات المالية للشركات سواء للحصول على عقود أو توفير مدفوعات مسبقة عند انجاز العقود، تدنت الى حد بعيد.
يتوقع معلّقون جديّون ارتفاع أسعار النفط قبل نهاية 2016 الى مستوى 50 دولارًا للبرميل أو أكثر، كما يتوقعون زيادة أسعار الغاز بنسبة أعلى وخصوصاً بالاستناد الى توصيات مؤتمر باريس لحفظ المناخ وخفض نسبة زيادة الحرارة المناخية الى مستوى 1,5 درجة مئوية حتى 2020. وبعض هؤلاء المعلقين يرى مع ارتفاع الاسعار المرتقب، وخصوصاً بسبب انخفاض انتاج النفط والغاز الصخري من آلاف الآبار في الولايات المتحدة لان الاسعار دون التكاليف، وبعض الشركات قدّم طلبات للافلاس الاختياري، ان الحماسة لدى الشركات للبحث والتنقيب في لبنان ستستمر لأن الاسعار بعد سبع سنوات ستكون مجزية.
لهؤلاء المعلقين المتفائلين بالأسعار نقول إن تحسن الأسعار لا يكفي لاقدام الشركات على التزامات بتكاليف مرتفعة لأن الشركات المعنية تحتسب كلفة الفوائد على توظيفاتها. وعلى رغم انخفاض الفوائد، والتي يتوقّع ارتفاعها مع أي تحسن في اداء اقتصادات البلدان المتطورة، تكون كلفة الفوائد التراكمية على سبع سنوات على الأقل 50 في المئة من التزامات الشركات المعنية حين انهاء عقودها.
ولعلّ أفضل برهان على الصورة السوداوية لمستقبل النفط والغاز يظهر من انحسار اعداد الشركات الجدية التي اهتمت بامكانات لبنان من 16 شركة الى أربع شركات.
يبقى علينا تحقيق خطوات مفيدة للاقتصاد اللبناني تبدأ بتحويل انتاج الكهرباء ومصانع الاسمنت والبتروكيماويات الى الغاز، وهذا أمر ممكن خلال سنتين ويتماشى مع توصيات مؤتمر باريس. ولنا عودة إلى هذا الموضوع الاسبوع المقبل.