قبل سنتين، بشّر مناصرو الوزير جبران باسيل اللبنانيين بان ثروة النفط والغاز ستكون متوافرة في وقت قريب وطمأنوهم الى ان:
السدود ستؤمن المياه لأن المال سيكون متاحاً.
وتسليح الجيش سيحصل والامن سيتعزز.
وامهات اللبنانيين من جيل الشباب سيدركن ان الهجرة لن تكون باب الاسترزاق لأن الاقتصاد سيكون ناشطاً وفرص العمل كذلك والدين العام سيتناقص… الخ.
فسحة التفاؤل هذه طاولت حتى اصحاب الاختصاص فتكاثرت المؤتمرات حول فرص تطوير النفط والغاز والنتائج المتوقعة وغالبية المشاركين تتحدث عن الثروة الهابطة من السماء.
لقد شاركت في مؤتمرين نظمتهما شركة FrontLine، ومؤتمرين انعقدا بدعوة من وحدة الدراسات والابحاث في الجيش اللبناني، ومؤتمر انعقد بمشاركة فنيين في صناعة النفط بمبادرة من جامعة الرئيس الحريري، ومن ثم امتنعت عن المشاركة في مؤتمرين انعقدا أخيراً لان الابحاث تدور في حلقة لا نهاية لها ما دامت مراسيم تأمين انجاز عقود للبحث والتنقيب عن النفط والغاز لا أمل في صياغتها واقرارها في المستقبل القريب لان مجلس النواب عاجز عن التشريع، وتشريع الضرورة اذا أقر لا يتناول على الغالب هذه المراسيم الضرورية.
الجميع يعلمون ويدركون ان أهمية ثروة الغاز ستكون بداية في اطفاء عجز الكهرباء. وضع مشروع تطوير الطاقة الكهربائية منذ عام 2010 وكان الافتراض تأمين الامدادت من كهرباء لبنان والامتيازات المرخص لها بما يساوي الحاجة البالغة 3000 ميغاوات من طاقة الانتاج، ومنذ عام 2010 وحتى تاريخه لم ترفع طاقة الانتاج، سواء بانجاز محطة تم التعاقد عليها بطاقة 500 ميغاوات في منطقة نهر البارد، وصيانة وتطوير منشآت محطة الزوق ومحطة الجية، وكان الانجاز الوحيد التعاقد مع شركة تركية وفرت باخرتين تنتجان الطاقة بكلفة 23 سنتاً للكيلوات ساعة أي ما يساوي ضعفي متوسط الفوترة للمشتركين.
لقد بات معلوماً ان الكهرباء يؤمنها بنسبة 50 في المئة أصحاب المولدات الخاصة، والقسم الاكبر من هؤلاء يعملون لحسابهم ويحاسبون المشتركين على مستوى ثلاثة الى اربعة اضعاف معدلات الفوترة في كهرباء لبنان. وهنالك نسبة من اصحاب المولدات الخاصة، مثل المستشفيات، وبعض الجامعات، وعدد من المصانع يشغلون مولدات خاصة، تنخفض تكاليفها عما يدفعه المشتركون من الافراد، والمؤسسات التجارية البسيطة.
يبقى السؤال معلقاً، كيف تحقق انتشار المولدات الخاصة؟ وكيف تعاظمت قدرة اصحاب أكثر هذه المولدات على مواجهة اي مبادرة لتأمين تيار منتظم من شركة ذات امتياز بكلفة معقولة كما فعلت شركة امتياز زحلة؟
الجميع يتذكرون مواقف اصحاب المولدات الخاصة في منطقة زحلة وجوارها. فقد تظاهروا ضد الاحتكار – نعم اعتبروا توفير شركة امتياز زحلة الطاقة ممارسة للاحتكار – علماً بأن تكاليف المشتركين في امدادت هذه المبادرة وجدوا أنفسهم يسددون فواتير لا تزيد على اشتراكات كهرباء لبنان، ومن اجل التصدي للاحتكار الذي يخفض الاسعار بقوة تعدى اصحاب المولدات الخاصة على محولات شركة امتياز زحلة، ومن ثم زال التعدي لأسباب لا يعرفها الا البعض.
معلوم ان قضية تنامي الدين العام هي القضية المحورية في تحديات الاقتصاد اللبناني اليوم، والموازنة المفترض اقرارها ترفع نسبة العجز الى ما يساوي 10,5 في المئة من الدخل القومي، وهذه نسبة بالغة الارتفاع، والبند الرئيسي في العجز يتمثل في عجز الكهرباء الذي انخفض الى حد ما بسبب انخفاض أسعار النفط وبلغ الوفر ما بين 500 و600 مليار ليرة لبنانية لعام 2014 لان انخفاض اسعار النفط تحقق في النصف الثاني من السنة.
الصلة بين انتاج النفط والغاز وعجز الموازنة واضح. فلو استطعنا في أدنى حد تغطية حاجاتنا من الغاز، وبعد انجاز معملين بطاقة 1000 ميغاوات على الاقل، يكون الوفر متجاوزاً مليار دولار كل سنة حتى لو استمر سعر النفط في الانخفاض، علماً باننا نقدر ان يرتفع السعر، كما حصل في الشهرين المنصرمين عندما ارتفع سعر برميل النفط من 48 دولاراً الى 60 دولاراً.
الهدف الأول يجب ان نكرسه في سياساتنا الطاقوية هو خفض عجز الكهرباء، بداية بإنشاء محطة لاستقبال الغاز المسيل وتأمين لقيم الغاز لمعامل انتاج الكهرباء في البارد والزهراني، كما انجاز مصنعين اضافيين، وبعد ذلك وشرط طرح الامتيازات في أقرب فرصة يمكن ان نأمل في كفاية حاجاتنا من النفط والغاز بعد سبع سنوات، فنحقق وفراً لا يمكن قياسه ما لم نستطع قياس الطلب على الغاز والنفط بعد انقضاء هذه المدة، كما توقع اسعار الغاز والنفط في 2022 أو 2023.
البداية تكون، بعد اتخاذ خطوات الكهرباء، بالتعاقد على اعمال البحث والتنقيب في المنطقة المتاخمة لحدودنا الجنوبية، وذلك ضمن الحدود التي لا منازعة حولها في انتظار انجلاء تحديد المساحات البحرية المتنازع عليها والتي تبلغ 870 كيلومتراً مربعاً.
خيار بدء البحث في المنطقة المتاخمة للحدود البحرية الجنوبية قبل اية مناطق اخرى يعود الى ان اسرائيل تنتج الغاز من حقل تامار الذي يبعد عن الحدود اللبنانية خمسة الى ثمانية كيلومترات، وهذا الموقع يعني بالتأكيد ان المنطقة اللبنانية ستكتشف فيها كميات ملحوظة من الغاز، وربما بعض الكميات المجزية من النفط.
البداية، ولو انحصرت بمنصتين، تؤمن وظائف وفرص عمل لـ12 الف لبناني ولبنانية، واذا انجزت عقود للتنقيب في مناطق أخرى وصارت لدينا خمس منصات للبحث والتنقيب تبلغ الفرص 30 الف وظيفة. وهذا عدد لا يستهان به، ويسهم في تحسين الموارد الضريبية وزيادة الدخل القومي بنسبة 1 في المئة على الأقل.
ان التأخير في انجاز العقود يعرض لبنان لمزيد من العجز والهدر، كما ان تأخير انشاء مصنعين بطاقة 1000 ميغاوات يسهم في تزايد الدين العام، والحكومة العاجزة حالياً تواجه ضغوطاً هائلة لتأمين المقدار المطلوب من الامن، وزيادة عديد قوى الجيش والامن العام، وتغطية مطالب متنوعة من الفئات العمالية، كما الاسهام قدر الامكان في تغطية حاجات المهجرين السوريين من الكهرباء، والمياه، ومواقع الاقامة المقبولة.
لقد اهدرنا بين 2008 و2014، أي خلال سبع سنوات توازي الفترة المطلوبة للبحث والتنقيب والانتاج، 15 مليار دولار تضاف اليها الفوائد على هذه الاموال المقترضة فيكون عجز الكهرباء طوال سبع سنوات موازياً لـ30 في المئة من الدين العام ولا نستطيع الاستمرار في هذه الممارسات.
كفى اتهامات تطاول الجميع وآن اوان التنبّه للوضع الانتحاري على صعيدي الاقتصاد والبيئة.