IMLebanon

النفط والغاز نعمة أم نقمة؟

قراءة في الكتاب ٣

ضمّت الحكومة الأولى برئاسة سعد الحريري في العهد الجديد بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، وزيرا لشؤون التخطيط هو الوزير ميشال فرعون. وهو يستحق الثناء والتقدير على ما قام به من جهود في المسؤوليات التي تحمّلها سابقا، ولكن ما هي امكانية نجاحه في المهمة الجديدة المسندة اليه؟ نسبة التفاؤل ضئيلة لأسباب عديدة منها: أولا، ان هذا التعيين سياسي لا علمي. ومنها ثانيا، ان تاريخ تخطيط استراتيجيات عمل الدولة في لبنان كان محبطا… فقد أنشئت قديما وزارة للتصميم وتم إلغاؤها لاحقا. كما أنشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي بعد ذلك، وتم تفريغه وتجويفه من الداخل مما أدى الى الشلل فيه، كما يحدث اليوم.

***

كتاب نهوض لبنان – نحو دولة الانماء الذي أصدره رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي روجيه نسناس مع نخبة من العلماء ورجال الاختصاص اللبنانيين في مختلف المجالات، صدر في وقت مناسب للعهد الجديد الذي ولد في أجواء طموحات اعادة بناء دولة حديثة. وهذا الكتاب يصلح كمرجعية علمية يعود اليها أهل الحكم، ولا سيما اذا رغبوا حقا في التخطيط لبناء دولة حديثة. ويتضمن الكتاب دراسات علمية حول قضايا راهنة تتصدّر اهتمامات العهد الجديد. ومنها على سبيل المثال لا الحصر: اصلاح القضاء واقتراح لتنظيم السلطة القضائية في لبنان. واقع قطاع الكهرباء. مواجهة أزمة المياه. مكافحة الفساد والوقاية منه. ولعل الفصل الأهم هو فصل معادلة النفط والغاز، لا سيما وان العهد الجديد أعطى الأفضلية القصوى لهذا القطاع، بدليل إقرار مراسيم النفط والغاز في الجلسة الأولى للحكومة الأولى في العهد الجديد، مع مطلع العام ٢٠١٧.

***

قصة النفط والغاز ليست جديدة في لبنان، وتعود الى عهد المفوض السامي هنري دو جفنيل للانتداب الفرنسي الذي أصدر قرارا أجاز فيه التنقيب عن الثروات الجوفية لا سيما النفطية في العام ١٩٢٦. وفي ثلاثينات القرن الماضي بدأ اكتشاف النفط في دول شبه الجزيرة العربية وجوارها. غير أن وتيرة استكشاف النفط والغاز في شرق البحر المتوسط تأخّر الى تسعينات القرن الماضي والعشرية الأولى من الألفية الثانية. أما لبنان فقد سجّل تأخيرا اضافيا، ولم يباشر في اتخاذ اجراءات تأهيل شركات استكشاف وانتاج النفط إلاّ في العام ٢٠١٣، وحدث تأخير اضافي إذ لم تقرّ مراسيم النفط والغاز رسميا إلاّ في مطلع العام الجديد ٢٠١٧! وأثبتت الأبحاث الحديثة نتيجة المسح بأن آفاق النفط العملاقة تكمن في الجزء الأعلى من شرق البحر الابيض المتوسط، وهي المنطقة التي تشمل لبنان تحديدا. غير ان لبنان لم يتحرّك في هذا الاتجاه إلاّ بعد انهيار أسعار النفط والغاز في العالم!

***

بنتيجة التجارب التي سبقتنا في استكشاف ثروة النفط والغاز، كان المفاجئ أن يطرح المراقبون والخبراء تساؤلا محيّرا هو: هل ثروة الغاز والنفط نعمة أم نقمة؟! ذلك ان الانطباع الأولي لدى الرأي العام هو ان أية ثروة طبيعية هي نعمة بالمطلق ولا تنطوي على أية نقمة! غير أن الواقع هو غير ذلك… إذ أن أي استخدام لهذه الثروة الطبيعية في غير اتجاهها الصحيح يقود الى تحويلها الى نقمة وليس الى نعمة! ولعل ظروف لبنان السياسية والاجتماعية وصراعات المنطقة والداخل تؤهله أكثر من سواه للوقوع في هذا المطبّ، اذا لم يتم استثمار هذه الثروة بشفافية وبالطرق الاقتصادية السليمة…

***

لبنان النفطي مهدّد بأن يصاب بما يسمّى الداء الهولندي. وأول من استخدم هذا المصطلح صحيفة الايكونوميست البريطانية ١٩٧٧ عندما تحدثت عن تأثير النفط على الاقتصاد الهولندي. ذلك ان حالة من الكسل والاسترخاء أصابت الشعب والدولة ١٩٠٠ – ١٩٥٠ بعد اكتشاف النفط في بحر الشمال، وانصرفا الى الانفاق الاستهلاكي، الى أن فوجئ الجميع بنضوب الآبار، وعرف ذلك ب الداء الهولندي! وتنبّهت الجزائر لاحقا ودول أخرى الى هذا الواقع فقررت فصل عائدات النفط عن اقتصاد البلد الطبيعي، وأنشأت الصندوق المستقل لتعزيز البنية التحتية. والحديث عن الصندوق المستقل في لبنان يتم التعاطي معه بكثير من الاهمال والاستهانة به! واقتصاد النفط ينطوي على مطبّات أخرى. وشرط أن يكون النفط والغاز نعمة لا نقمة وضع استراتيجية واضحة ومبكّلة لربع القرن المقبل على الأقل. انتهى.