Site icon IMLebanon

النفط بين سندان السياسة ومطرقة القانون

على رغم موجة التفاؤل التي تركها اتفاق رئيس مجلس النواب نبيه برّي ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على ملف النفط، إلّا أنّ عوائق داخلية وخارجية قد تعترضه وتؤخّر استفادة اللبنانيين من هذه الثروة، خصوصاً أنّ الملف يحتاج إلى أكثر من اتفاقٍ سياسي ليسلك طريقه إلى التنفيذ.

ترتبط المعوقات الخارجية بالهبوط الحاد في أسعار البترول والغاز العالمية منذ منتصف 2014، من جهة، وبالنزاع مع اسرائيل على ترسيم الحدود البحرية، من جهة ثانية. أما العوامل الداخلية فتتركز على تضارب المصالح ووجهات النظر بين بعض الجهات السياسية، بالإضافة الى أنّ ملف النفط متشعّب ويتخطّى قرار التلزيم.

وفي السياق، يوضح الأستاذ في القانون الدولي المحامي الدكتور أنطوان صفير لـ«الجمهورية»، أنّ «الملف يحتاج إلى قوانين تطبيقاً للقانون- الإطار، والى مراسيم تطبيقاً لأحكام القوانين التي تتعلق بمختلف وجوه الموضوع مثل التعاقد مع الشركات والكميات والاستخراج وغيرها».

وفي تفاصيل القوانين والمراسيم التي تتطلّب توافق مجلسَي النواب والوزراء عليها، يشرح صفير: «وفقاً لأصول التشريع، فإنّ قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية بصدوره عن مجلس النواب عام 2010، أرسى الاطار القانوني المنظم للتنقيب عن البترول في المياه البحرية اللبنانية، بمعنى أنه حدَّد الاطار العام للنظام القانوني للنفط في لبنان، على أن تصدر تباعاً قوانين مكمّلة في شتى الموضوعات التي يتطلّبها الوضع النفطي.

وعلى أثر صدور هذا القانون- الاطار عام 2010 والقوانين التي ستصدر تباعاً بغية تحديد بعض التفاصيل التقنية مثلاً أو المالية، يتوجّب على مجلس الوزراء إصدار مراسيم تطبيقاً لأحكام القانون الذي أصدره أو سيصدره مجلس النواب كتشريع.

وبالتالي، إنّ هذا الموضوع هو ورشة عمل تحتاج لقرار سياسي لكي لا تكون هناك عرقلة في مجلس النواب، ومن ثمّ يجب تطبيق هذه التشريعات من خلال المراسيم التطبيقية والتي هي الأهم، لأنها تُحدّد المسائل التقنية وتدخل في التفاصيل المالية والفنّية وغيرها».

وعلى مستوى المشهد السياسي الداخلي، طرحت مجموعة من الملفات في الفترة الأخيرة أبرزها ملفا الرئاسة والنفط، وبغض النظر عن إمكانية ربطهما بعضهما ببعض من حيث التوقيت، إلى أيّ مدى سيتأثر ملف الغاز والنفط بالفراغ الرئاسي؟

يشدّد صفير على أنّ «هذا الموضوع أساسي وخطير لأنّ الرئيس ليس فقط شريكاً سياسياً بل إنه دستوريّ أيضاً، بحكم أنه رئيس لكلّ المؤسسات ويتمتع بصلاحية طلب تعديل القوانين والمراسيم أو إعادة النظر فيها.

فغياب الرئيس يشكل ثغرة أساسية في هذا الموضوع لأنّه من غير السليم من الناحية الدستورية، أن يتّخذ مجلس الوزراء قرارات نيابةً عن رئيس الجمهورية في ملف استراتيجي بهذا الحجم، ما يطرح علامات استفهام، ولكن في الوقت عينه لا يمكننا إبقاء ملف النفط معلّقاً، خصوصاً أنه يؤمّن مصلحة الوطن العليا، وهذا ما يُبرّر اتخاذ كلّ سلطة القرار في نطاق صلاحيّاتها لأنّ كلّ تأخير يؤدي الى خسارة أكبر للبنان»، ملاحظاً «أنّ أسعار البترول والغاز هبطت حديثاً، ولعلّنا نستخرج النفط في وقت غير مناسب، ولكن في المقابل لا يمكننا انتظار تحسّن الوضع وفي حال عادت وارتفعت يكون لدينا مخزون جاهز».

أمّا في حال أراد عدد من الشركات المشاركة في مزايدة التلزيم، فيقول صفير إنّه «وفق الأنظمة القانونية، على الشركات المتقدّمة أن تتمتع بمواصفات معيّنة، وهذا ما تقرّره الهيئة الناظمة لقطاع النفط وفق مرسوم تأهيل الشركات مسبقاً للإشتراك في دورات تراخيص للأنشطة البترولية الرقم 9882 الصادر في 16 شباط 2013.

ووفق مرسوم الأنظمة والقواعد المتعلقة بالأنشطة البترولية الرقم 10289 الصادر في 30 نيسان 2013 ، باعتبار أنّ الهيئة الناظمة هي المرجع الصالح ولكن تحت طائلة القوانين المرعية الاجراء والمراسيم الصادرة عن الحكومة في هذا الصدد.

وهذا يعني أنه ليس للهيئة الناظمة وفق مرسومي هيئة إدارة قطاع البترول الرقم 7968 الصادر في 7 نيسان 2012، وتعيين مجلس إدارة هيئة إدارة قطاع البترول الرقم 9438 الصادر في 4 كانون الأول 2012، أن تشرّع بل هي هيئة مكلّفة بإدارة هذا القطاع وتصنيف الشركات وغيرها ولكن من باب ما تحدّده الحيثيات الواردة في القوانين والمراسيم المرعية الإجراء».

ويضيف: «بالنسبة إلى البلوكات الموجودة بين لبنان واسرائيل، لا اظنّ أنّ الموضوع يجب أن يكون متروكاً، فالمسؤولون يجب أنّ يستحوذوا على الدعم الدولي في هذا السياق حتّى لا تستغلّ إسرائيل الثروة النفطية، وذلك تطبيقاً لأحكام القانون الدولي والقرارات ذات الصلة».

وأمام الفساد ونهج المحاصصة الذي تعتمده قوى السلطة، يشير صفير الى أنّ «تقاسم النفوذ وخيرات السلطة ليس وضعاً مستجدّاً في لبنان، ولكنّ المحاصصة والفساد ينحسران كلما ارتفعت المعايير العلمية والتقنية للشركات المصنّفة، وملف كهذا من الضروري أن يخضع الى مراقبة كلّ الجهات والمؤسسات غير الحكومية حتى لا يتغلغل الفساد في هذا القطاع الحيوي، كما يجب ملاحقة الموضوع مع المؤسسات الرسمية والقضائية لمعاقبة كلّ شخص يدخل من باب الاستفادة غير المشروعة».

قد يحتاج لبنان إلى فترة طويلة لإنتاج نفطه، وبحسب صفير: «يبدأ القرار بالعمل القانوني الذي يمكن أن يكون قريباً، ولكنّ العمل الفعلي والتقني يحتاج الى وقت اكثر».

الى ذلك، وبعد مضي اكثر من عامين على تعثّر النتائج المشجّعة لعمليات المسح بسبب النزاعات السياسية التي قلّلت من أهمية المخزون النفطي، يؤكد وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان لـ«الجمهورية»، «أنه الوزير المعني للبحث في هذا الملف، لكنّ الخلاف الحاصل بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر» سياسي، ويحتاج الى حلّ سياسي حتّى لا يتعرقل وصول الملف الى مجلس الوزراء، وهذا لا يعني أنه محصور بين الطرفين، لأنّ أيّ اختلاف في وجهات النظر يمكن أن يُظهره الوزراءُ لدى طرح الملف عليهم»، مؤكداً أنّ «رئيس الحكومة هو مَن يقرر الوقت المناسب ليقرّ هذا الملف».

يرتبط ملف النفط ارتباطاً وثيقاً بالأزمات والصراعات الداخلية والدولية، إن كان من خلال المحاصصات أو من خلال طريقة السيطرة على المنابع النفطية، فأين لبنان من هذه النقاط؟

ينفي رئيس لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب محمد قباني وجود محاصصات في الفترة الحالية، «خصوصاً أنّ المضمون التوافقي الذي حصل نصّ على عدم اختيار بلوكات للتلزيم حالياً، ولو أنه تمّ العمل عكس ذلك، لكانت الجغرافيا لعبت دورها في اختيار الحصص».

وعن بدء التنفيذ الجدّي، يقول قبّاني لـ«الجمهورية» إنّ «على مجلس الوزراء اتخاذ قرار في هذا الشأن خلال أسبوعين، بعدها تأخذ هيئة ادارة قطاع البترول، نحو 6 الى 8 اشهر لاعادة التأهيل إذا قرّرت ذلك، ولطرح موضوع التوظيف مجدداً على الشركات»، مؤكداً أهمية «أن نعي مصلحة لبنان والإسراع في متابعة هذا الملف، لأنّ الانتظار يعني الانتحار، فالعالم لا ينتظرنا، وهناك اتفاقات تمّت بين تركيا واسرائيل هدفها الاساس انشاء انبوب لنقل الغاز بين فلسطين المحتلة وتركيا ومنها الى أوروبا، وهذا الامر يجب أن يكون كافياً لاستفزازنا بالمعنى الايجابي لنتحرّك ونسرع في التنفيذ».

وفي هذا الإطار، تشير مصادر وزارية الى أنّ الهيئة الناظمة أعدّت كلّ التفاصيل بصورة جيدة، ومن المفروض أن تُعرض المراسيم في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء.

وتؤكد المصادر أنّ «التجاذب السياسي كان يشكل العائق الاساس ليس فقط في ملف النفط، بل في ملف النفايات ايضاً»، معتبرة أنّ «التعطيل الحاصل وغياب رئيس الجمهورية لن يؤثرا مباشرة في الموضوع طالما الارادة موجودة، وبما أنّ ملف النفط يحسّن الوضع المالي فلا يُفترض أن يعوقه شيء»، مضيفة: «نظرياً لا يُفترض أن يكون الملف محصوراً بين طرفين، ولكن عملياً يبدو كذلك».