IMLebanon

معطيات نفطية، جديدة تقلب المقاييس وتعيد تحديد الاولويات

اذا كانت صدمة صناديق الاستفتاء البريطانية قد هزّت اوروبا، فان صدمات الداخل اللبناني لا تقل اهمية في ضوء مسلسل الملفات المفتوحة على كل الاحتمالات، والذي يطل برأسه من أكثر من بوابة، وسط خشية متنامية من مرامحتها جميعا عند مربعها الاول ، في ظل ما تفرزه المعطيات على هذا المستوى، وفي مقدمتها ملف النفط الذي،طفا إلى سطح الإهتمام المحلي بعد تحريكه من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري مطالبا الأفرقاء السياسيين بضرورة متابعة هذا الموضوع سريعاً لتجنّب المزيد من هدر الوقت الذي ليس لصالح لبنان إطلاقاً، مع غياب أي مبادرة أميركية جديدة في شأن الوساطة بين الجانب اللبناني والجانب الإسرائيلي حول النقاط المشتركة في المياه الإقليمية.

واذا كانت دول الجوار قد حزمت امرها وعقدت الاتفاقات اللازمة، نجحت اسرائيل في حل مشاكلها مع شركات التنقيب ،ينتظر ان تطلق قبرص دورة ثالثة من التراخيص ،في الوقت التي اعلنت فيه مصر عن اكتشاف حقل غازي يوازي بحجمه حقلي «لوفيان» و «تمار» الاسرائيليين، فيما لبنان عالق في عنق زجاجة اقرار واصدار المراسيم المتعلقة بتلزيم البلوكات البحرية.

على هذا الصعيد تمكنت هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان في الحصول على تقرير وضعته شركة «TGS» البريطانية عام 2002 بناء على مسح ثنائي الابعاد امتد إلى إسرائيل، اجرته في منطقة الجنوب اللبناني عام 2000، قبل ان تغادر من دون أي اتفاق مع الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة والمياه التي عادت وتقدّمت بدعوى في العام  2011، يبين جدية المخاطر في ان تعمد اسرائيل الى سرقة النفط اللبناني في المنطقة البحرية الحدودية خاصة البلوكين الثامن والتاسع ، ما يستلزم تحركا رسميا سريعا خصوصا ان المساعي والاتصالات الدولية لم تنجح حتى الساعة في تحقيق اي تقدم على صعيد حل الخلاف حول ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل ،حيث سقطت كل مشاريع الحلول تحت وقع الفيتوات والفيتوات المضادة.

وبحسب الهيئة، فان التقرير البريطاني، الذي اعتبر «داتا ثمينة»، يشير ايضا الى وجود بعض الحقول المشتركة، اذ أن حقل «كاريش» لا يبعد أكثر من 5 كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية – اللبنانية ،تحديداً عند البلوك 8 ، و7 كيلومترات عن البلوك 9،فيما تقع ابعد نقطة منه على بعد يتراوح بين 15 و17 كيلومترا من المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة،ما يسمح لاسرائيل بالافادة من الثروة التي يحتويها البلوكان ويسمح لها بسحب الغاز اللبناني باستخدام تكنولوجيا باتت تملكها.علما ان التقديرات تشير، الى ان حقل «كاريش» الذي تبلغ مساحته نحو 150 كيلومترا مربعا، يحتوي على كميّات تتراوح ما بين 1.5 تريليون قدم مكعب و2 تريليونين من الغاز.

مصادر بارزة في الهيئة لفتت إلى أن هذه المعطيات، التي وضعت بتصرف الرئيسين نبيه بري وتمام سلام، تعزز إلقاء الضوء على موضوع الحدود في المياه الإقليمية، وتحفز الطبقة السياسية ومجلسي النواب والوزراء على الإسراع في هذا الملف، إذ لا شيء يمنع إسرائيل من البدء بعملية الحفر لتصل إلى حصة لبنان، لذلك من مصلحتنا المباشرة بالتنقيب في كل المناطق بما فيها المنطقة الجنوبية، مشيرة إلى أن التقديرات أشارت سابقاً إلى بُعد حقل «كاريش» الإسرائيلي 10 كلم عن مياه لبنان، فتبيّن أنه على بُعد 5 كلم فقط. فهذا الأمر يطرح إشكالية جديدة، كاشفة ان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة والنفط الذي التقته الهيئة العام الماضي وجرى عرض الطرح الموحّد من الجانب اللبناني في ما يخصّ مقاربة مسألة الحدود، تم الإتفاق معه على أن يذهب إلى إسرائيل ويعود لإطلاع الجانب اللبناني على نتائج محادثاته، لكن ذلك لم يحصل، رغم ان  من مصلحة واشنطن أن تلعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل التي لا تردّ إلا على الأميركي.

يضاف الى ذلك ما تتداوله اوساط عليمة عن ان مسؤولين زاروا بيروت شرحوا للجانب اللبناني مخاطر السياسة التي تعتمدها الحكومة اللبنانية في مقاربتها لهذا الملف ذات الابعاد والتداعيات الاقليمية والدولية، وهو ما دفع برئيس مجلس النواب الى اتخاذ القرار باحالة الملف الى طاولة الحوار الوطني واضعا الجميع امام مسؤولياتهم، بعدما اضحت المسألة سياسية اكثر منها تقنية، قائمة على الكيدية في التعاطي وتصفية الحسابات بين المراجع السياسية، خاصة مع دخول الملف البازار الرئاسي على محورين، الاول مرتبط بدعم كارتيل من رجال المال العاملين في المجال لمرشح رئاسي مقابل حصة لهم على هذا الصعيد، والثاني، الحديث عن ان «الفيتو» الروسي على العماد عون يعود الى السياسة التي ادار بها وزير الطاقة يومها جبران باسيل للملف والتي ادت الى استبعاد الشركات الروسية لصالح الاوروبية والاميركية، اما الثالث ما تم تداوله عن مساومة اميركية وتسهيل لمبادرة استاذ عين التينة مقابل دفعه بالملف النفطي الى الواجهة من جديد،رغم كشف مصادر مطلعة عن ان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة والنفط والغاز آموس هوكستين، لم يحمل اي جديد معه في زيارته الاخيرة، التي لم تتخط اطار الزيارات الاعتيادية التي يقوم بها، مع تاكيده ان لا تدخل اميركا قبل ان يفتح لبنان دورة تراخيص التنقيب والتلزيم، محذرا في الوقت نفسه من استفزاز اسرائيل وتصعيد لهجة التهديد التي يعتمدها البعض لما قد يكون لذلك من تأثيرات سلبية.

فهل تبصر المراسيم النور قريبا؟ وهل يتحرك الاميركيون كما وعدوا؟ ام ستدخل معادلة ردع حزب الله هذا القطاع؟