IMLebanon

الظروف العالمية اجتمعت لمصلحة استخراج الغاز… والظروف الداخلية ضده!

 

لبنان على قاب قوسين من استخراج النفط وتعزيز مواقعه التفاوضي

 

 

بقدر ما كانت زيارة رئيس الوفد الأميركي للمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين سلسة، بقدر ما حملت تحديات غير مسبوقة. فلبنان لم يعد يملك ترف الوقت لتمديد جلسات المفاوضات أشهراً إضافية بل عليه حسم موقفه من الدخول في لعبة الغاز العالمية، أو الانتظار لجولة ثانية لن تبدأ قبل عدد من السنوات. في الأثناء تكون اسرائيل قد بدأت الحفر والانتاج.

 

تقدّر ثروة لبنان في هذه المنطقة الحدودية «بما لا يقل عن 25 تريليون قدم مكعب من الغاز، تساوي مليارات الدولارات»، برأي الخبير الاقتصادي في مجالي النفط والغاز فادي جواد. و»هي تستمد أهميتها بحكم تواجدها في منطقة تمت دراستها وحفرها من قبل 3 شركات نفطية كبيرة. وتم اعتبارها منطقة واعدة، وليس wild cut التي عادة ما تكون مبهمة ولا يوجد معطيات سابقة عنها».

 

الفرصة المؤاتية

 

من دون أدنى شك، يشكل الضغط على هذه المنطقة دليلاً على وجود كميات غاز ضخمة تتخطى ما وجد في حقل « ظَهَرْ « المصري. وبالتالي، «يجب حسم المشكلة فيها وإنهائها بسرعة من أجل عدم فقدان السوق الأوروبية المتعطشة لغاز بديل عن الغاز الروسي»، من وجهة نظر جواد. فـ»أوروبا تبحث عن مصادر مختلفة تكون قادرة على سد نسبة 40 في المئة التي تزودها بها روسيا».

 

ولكن، هل تفي الكمية المتوقع استخراجها بمتطلبات أوروبا؟

 

«بالتأكيد لا»، يجيب جواد. و»لكن سوف تشكل حقول المنطقة أحد المكامن التي سوف تُستغل من مختلف دول العالم لتأمين الأمن القومي الاوروبي المعرض للخطر بسبب خط «نورد ستريم 2 Nord Stream»، والاتفاق الروسي الصيني. فهذا الخط الممتد بحراً من روسيا إلى إلمانيا، ومنها إلى بقية الدول الأوروبية لم يتم تشغيله بعد لسببين: الأول، يتصل بمعاملات قانونية ونيل رخص على صعيد ألمانيا. والثاني، عرقلة أميركية لتأخير الأمور القانونية المتعلقة بالطرف الروسي. فتشغيل هذا الخط في نهاية المطاف سيحرم أوكرانيا من رسوم عبور الغاز الروسي في أراضيها إلى أوروبا بقيمة 3 مليارات دولار سنوياً، ويعطل عدداً كبيراً من المنشآت لديها. إلى جانب العراقيل التقنية في خط نورد ستريم 2، أبرمت الصين منذ أيام قليلة مع روسيا اتفاقاً يقضي بتصدير الأخيرة إلى الصين 10 مليارات قدم مكعب من الغاز. الامر الذي سيؤدي حكماً في المستقبل القريب إلى تقصير روسي في تزويد أوروبا بالغاز. وإذا كانت هذه التطورات تشكل وسيلة ضغط روسية على أميركا وأوروبا، فان الاخيرة لن تشعر بالأمان الطاقوي ما لم تؤمن مكامن غاز تضمن تزويدها بهذه المادة في القادم من السنوات»، برأي جواد. و»لبنان سيكون إحدى المناطق الواعدة. وذلك على الرغم من تواضع الكميات بالمقارنة مع الطلب الأوروبي».

 

السيناريوات المحتملة

 

أمام كل هذه التحديات التي تحمل فرصاً واعدة للبنان جاء هوكشتاين بسيناريو واحد، وهو: «وضع المنطقة بين خطي 1 و 29 تحت السيطرة الاميركية لحل الموضوع»، يقول جواد. و»أعطي الطرفان اللبناني والاسرائيلي بضعة أسابيع لحسم موقفهما والاتفاق النهائي على التفاصيل بمباركة أوروبية. حيث عرّج قبل وصوله الى بيروت على اوروبا لوضع زعمائها في صورة الحل المطروح» .

 

إلا أن وضع المنطقة المتنازع عليها تحت إدارة شركة أميركية، ومن ثم تقاسم الأرباح سوف يخلق شركة يعمل فيها 45 في المئة من اللبنانيين و45 في المئة من الاسرائيليين. ما يضع موظفي الطرفين على تماس مباشر بالمهمات الوظيفية اليومية. وهذا سوف يؤدي الى نوع من تطبيع العلاقة التجارية بين لبنان واسرائيل. وهو أمر غير مقبول شعبوياً وحكومياً.

 

رفض هذا الطرح الجدي دفع إلى استبداله برسم خط متعرج في محاذاة الخط 23، يضم حقل قانا إلى لبنان. الغاية من هذا الطرح التوصل إلى اتفاق مبدئي لفتح الباب أمام اسرائيل لبدء الحفر في حقل «كاريش» الشهر القادم. و»لكن من وجهة نظري هو تمييع لحقوق لبنان بشكل مباشر، وعملية لتمرير تشابك خطوط لها ترددات سلبية في المستقبل»، يقول جواد. «ولكن يبقى القرار السياسي هو سيد الموقف على حساب الدراسات والتقنيات وعلى حساب حقوق لبنان الشرعية !».

 

أمام المواقف المتشابكة بسبب كثرة وجهات النظر الداخلية، فان «القرار سيكون رهن مصالح الأفرقاء. وسيبنى على كيفية توزيع سلة الحصص النفطية المتوافق عليها سابقاً والتي تتذبذب حسب حجم الكميات الموعودة وسرعة الاستفادة منها في المستقبل القريب»، بحسب جواد. «مع العلم أن الوضع الاقتصادي المتفاقم يعيد خلط هذه التوزيعات بسبب حاجة البلد ككل إلى خلق ثغرة اقتصادية إيجابية تخرجه من الوضع الحالي، وتعزز موقفه في التفاوض مع الجهات الدولية المانحة. وعليه يبقى القرار الاخير في هذه البلوكات لرئيس مجلس النواب نبيه بري. حيث اختتم هوكشتاين المحادثات معه، وخرج بجو ايجابي، كما يقول. ولكن تبقى الاسابيع القليلة القادمة هي الحاسمة قبل اندلاع الحرب المحدودة في اوكرانيا، والتي سوف تعيد رسم خريطة خطوط الغاز في العالم وكيفية توزيعها والاستفادة منها» .

 

أكثر من أي وقت مضى على لبنان أن يأخذ قراراً سريعاً في موضوع الحدود. مستفيداً من حماوة الجو الدولي، وتركيز المفاوض الاميركي، وحاجة الجانب الاسرائيلي. ويخرج بالتالي، باتفاق لن يتكرر للبنان مع كل هذه المعطيات. حيث أن لبنان يملك الفرصة الذهبية اليوم لتحقيق مكاسب لن يكون لديه قدرة في المستقبل على تحقيقها .