النفط هو قضية حياة فقط، والشعوب لا تموت اذا لم تكن لديها ثروات نفط وغاز. أما النفايات فهي قضية حياة أو موت! اكتشاف الآبار الجديدة يضخم الثروة الوطنية، أما تراكم تلال وجبال النفايات فتسلب الأرواح! ومن الطبيعي إذن اعطاء أزمة النفايات المستفحلة في لبنان الأفضلية القصوى في الاهتمام وايجاد حلّ جذري لها، لوقف زحف الأمراض المسرطنة على المواطنين. ولا يحتاج لبنان الى عباقرة لاختراع حلول لهذه الأزمة، والعالم سبقنا الى وضع الحلول المثمرة والمنتجة، وحوّل الاستثمار في النفايات الى تجارة رابحة، تخلّص الناس من ويلاتها وتدرّ ربحا على خزينة الدولة… ولكن العبقرية اللبنانية المعكوسة حققت العكس، فنثرت القمامة على الناس في الشوارع والشواطئ، وحوّلت الربح الى أصحاب الشهيّات المفتوحة على المال الحرام وأصحاب الجيوب الواسعة والعميقة!
***
الفرز من المصدر ليس حالة مستعصية يصعب على الشعب اللبناني المتطور والذكي والخلاّق تنفيذها. وهذا الحلّ هو المعتمد في غالبية دول العالم المتقدم. والفرز من المصدر في فرنسا، لمن أتيح له العيش فيها ردحا من الزمن، هو نموذج حياة وثقافة عيش يومي وأسلوب تعاون بين ربّات البيوت وحرّاس الأبنية والبلديات التي تنشر في الشوارع أعدادا وفيرة من المستوعبات مخصصة لكل نوع من أنواع النفايات زجاج، بلاستيك، ورقيات، بقايا الطعام الخ…، وفي لبنان العملية أسهل بوجود عاملات المنازل ونواطير الأبنية. وللأحزاب والتيارات دور عملي مهمّ في نشر هذه الثقافة، ويبقى على الدولة توفير الخطة الشاملة من مستوعبات في الشوارع، والمعامل المتخصصة. وفي بعض البلدات اللبنانية تجارب فردية ناجحة نفذت الفرز من المصدر مع تجهيزاتها، وكانت ناجحة بتعاون أبناء البلدة ودون توجيه من أحد!
***
تحمل وزير البيئة السابق محمد المشنوق ما لا يُحتمل من النقد والتجريح. وتفاءلت الناس بتعيين وزير البيئة اللاحق طارق الخطيب على اعتبار انه من أهل بيت العهد الجديد الواعد… ولكن اداء هذا الوزير لا يزال ملتبسا، وتوجهاته الحقيقية لا تزال غير معروفة لحلّ معضلة النفايات. والضجيج يتعالى حوله بينما هو ينافس أبو الهول في صمته! والأسباب مجهولة… فهل هو عاجز وليست لديه الأهلية لتولي هذا المنصب؟ أم انه يعاني من بحصة في فمه وغير قادر على بقّها، مع العلم ان البحصة هي في فمّ الرئيس سعد الحريري وليست في فمه؟! ملف النفايات مثل ملف الكهرباء شبع هدرا وفسادا، ترى ألم يحن الوقت بعد ليتخذ العهد موقفا سياديا وشجاعا في القضايا الحياتية، كما فعل ويفعل في السياسة؟!