Site icon IMLebanon

النفط.. الصواريخ والردح الإيراني

 

من حق اللبنانيين دولةً وشعباً أن يتمسكوا بحقهم كاملاً في ثروتهم البترولية في المياه الإقتصادية الخالصة. الأسف على الوقت المهدور ولوم من يجب أن يُلام لعدم اقتناص الفرصة منذ إعداد مسوّدة الاتفاقية اللبنانية القبرصيّة، وعدم التعامل معها بالجديّة المطلوبة لإبرامها من قِبَل المجلس النيابي لم يعد في مكانه. الاعتبارات التي حالت حينها دون تحويل المسوّدة المذكورة الى إتفاقية  دوليّة، منها ما يتعلّق بتحفُظات تركية لعدم إشراكها بترسيم الجزء التركي من قبرص، ومنها ما يتعلق بعدم القدرة على الترسيم مع سوريا بحراً جرياًّ على قاعدة  عدم ترسيم الحدود البريّة، إلى جانب المحاذير التي تفرضها أي محاولة للترسيم مع العدو الإسرائيلي، ولو بطريقة غير مباشرة لما تتضمّنه من اعتراف بإسرائيل، قد يضع الحكومة اللبنانية في موقف لا تُحسد عليه في ذلك الوقت.

إنّ ما ذهب إليه الرئيس نبيه بري في اعتباره الطرح الأميركي غير مقبول ومطالبته  بترسيم الحدود عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم نيسان 1996، على غرار ما حصل بالنسبة إلى الخط الأزرق، يجب أن يتحوّل الى قرار صادر عن الحكومة اللبنانية وموجّه الى الأمم المتّحدة لاتّخاذ الإجراءات اللازمة لترسيم الحدود البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، ليس مع إسرائيل فقط بل مع سوريا وقبرص في الوقت عينه وليس لاعتبارات اقتصادية وتقنيّة فقط بل لموجبات قانونية مرتبطة بحق لبنان كدولة ذات سيادة، وسياسية مرتبطة بأزمة العلاقات اللبنانية السورية وبالتحفظات التركية المُرتقبة.

الأوراق المُتاحة للحكومة اللبنانية هي أوراق تقنية علمية ترتبط بإتفاقية الأمم المتّحدة لقانون البحار عام 1982، والدليل الصادر عن منظمة الهيدروغرافيا العالمية التابعة للأمم المتّحدة عام 2006. كما ترتكز على الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدوليّة في نزاعات عديدة مشابهة حصلت بين كلّ من تونس وليبيا، وقطر والبحرين، وألمانيا وهولندا والدانمارك… الخ، مما يجعل المنطقة المتنازع عليها غير قابلة للاستثمار من الطرفين اللبناني والإسرائيلي بانتظار جلاء الموضوع القانوني. أما لجهة الإجراءات الميدانية التي يجب أن تبادر الحكومة الى اتّخاذها من خلال مجلس الوزراء أو من خلال المجلس الأعلى للدفاع على المستوى الدبلوماسي أو القانوني أو الدفاعي فهي التي تضع المسألة في إطارها السليم بعيداً عن أي استثمار إقليمي.

الأمين العام لحزب الله لدى دخوله على خط النزاع النفطي، دعى المسؤولين إلى التهديد بقوة الحزب في تفاوضهم مع الجانب الأميركي حين قال «ليتّخذ مجلس الدفاع الأعلى في لبنان قراراً بأنّ محطات الغاز والنفط الإسرائيلية في البحر ممنوع أن تعمل، وأنا أعدكم بأنّها خلال ساعات لن تشتغل». واعتبر أنّه «يجب أن نفاوض كأقوياء وإسرائيل التي تهددكم تستطيعون أن تهددوها، فالإسرائيلي والأميركي يعلمان أنّ القوة الوحيدة التي لديكم هي المقاومة…».

إنّ الأخذ بالشحنة المعنوية التي قد يؤديها هذا الخطاب بعين الاعتبار، وقبوله من موقع تمني لبننة الحزب، لا يعني أنّ الأمين العام قد أعلن البدء باستيعاب القدرات العسكرية لحزب الله ضمن الجيش اللبناني وأنّ صواريخ الحزب أصبحت بمتناول المجلس الأعلى للدفاع. ولكن الواقعية السياسية تدعونا لقراءة هذا الخطاب من قبيل إعادة تجديد النشاط السياسي والميداني للميليشيات الإيرانية ومنازلة الولايات المتّحدة الأميركية  في كلّ من العراق وسوريا،  رداً على ما أُعلن عنه من إتفاق بين روسيا وأميركا في مايو (أيار) الماضي. ويقضي الاتّفاق باعتبار نهر الفرات خط الفصل بين جيشيهما وحلفائهما على الأرض، بحيث تصبح منطقة شرق نهر الفرات ومعسكر التنف في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية وسدّ الطبقة ومدينة منبج غرب النهر تحت سيطرة حلفاء واشنطن، مقابل ترك باقي المناطق غرب الفرات إلى حلفاء موسكو. وربما هذا ما يؤكّده اليوم دخول جيش النظام الى عفرين وما يفسره هجوم التحالف على متطوعين روس حاولوا الوصول الى حقل كونيكو النفطي في دير الزور مما أدى الى مصرع أكثر من مئتين منهم في الوقت الذي نفت روسيا أي علاقة بهم.

الدخول الاستعراضي لصواريخ حزب الله في موضوع النفط  يأتي من ضمن ردود الفعل الإيرانية على الإجراءات الأميركية، والتي كان آخرها ما صدر عن هيربيرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي الأميركي أثناء خطاب له في مؤتمر ميونيخ للأمن بألمانيا «إنّ الوقت قد حان للرد على نشاطات إيران التي تزعزع الاستقرار». ويتزامن هذا الدخول مع محاولة طهران إظهار تأثيرها في العراق وسوريا، وهو ما عبّر عنه السيد علي ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، بعد مطالبته من أسماهم «المقاومة الإسلامية»، بمنع انتشار القوات الأميركية شرق الفرات، والإستمرار في توريط المجموعات المسلّحة العراقية، التي تنتظم ضمن «الحشد الشعبي»، تحت عنوان عدم قدرة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على إخراج القوات الأميركية من العراق.

التلويح باستعمال الصواريخ على وقع تقاسم النفوذ الأميركي الروسي في سوريا والعراق، الذي يمثّل دخول الجيش السوري إلى عفرين وإنهاء الحلم الكردي في سوريا بعد العراق آخر تجليّاته، لا يمكن أن يقرأ أكثر من محاولة لضمّ لبنان الى دائرة الردح الإيراني!!!!

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات.