IMLebanon

كانت تنقصنا حرب النفط…

منطقتنا العربية تعاني من حروب متنوّعة، بين المذاهب وداخل كل منها، وبينها مجتمعة وبين التكفير والإرهاب. يدور على أرضها صراع دولي خفي ونزاع إقليمي مكشوف. كان ينقص المنطقة وصول ضيف جديد ثقيل إليها وهو الحرب الاقتصادية، المتمثلة بالانهيار المفاجئ والسريع في سعر برميل النفط.

هبط سعر النفط في فترة قياسية من 115 دولاراً للبرميل إلى حدود الثمانين دولاراً، متراجعاً بنسبة 25% عن المستوى الذي كان عليه قبل الصيف المنصرم.

تختلف تفسيرات المحللين ومتتبعي الأسواق حول أسباب هذا الهبوط السريع. منهم من يردّه إلى أسباب اقتصادية بحتة ومنهم من يعزوه إلى قرار سياسي بزيادة الضغوط على روسيا وإيران. هدف القرار السياسي المفترض هو التأثير على موقف روسيا في الأزمة الأوكرانية، وإضعاف مركز إيران في مفاوضاتها النووية مع الغرب، وفي الصراعات «العربية» التي تشارك فيها بقوّة وفاعلية.

الأسباب الاقتصادية تتمثل بتراجع الأداء الاقتصادي في أوروبا والصين، المستوردين العملاقين للنفط والغاز. في الصين، على سبيل المثال، وهي ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم، يتباطأ النموّ الاقتصادي قياساً بالنتائج الباهرة التي درج الاقتصاد الصيني على تحقيقها منذ سنوات. ويبدو بوضوح تراجع الإنتاج الصناعي في الصين، الذي بلغ نموّه أقلّ من 7% في نهاية آب الماضي مقابل 9% في الشهر الذي سبقه.

مقابل تراجع الطلب، العرض يغرق الأسواق. تقدّر الوكالة الدولية للطاقة أن العرض النفطي العالمي يفوق الطلب بحوالي خمسمئة ألف برميل يومياً. فالعراق حافظ على مستويات إنتاجه رغم سيطرة «داعش» على مناطق في الشرق والشمال، لأن مناطق الجنوب لم تتأثر بما يجري في المناطق الأخرى المتوترة. واستأنفت ليبيا إنتاج 800 ألف برميل يومياً رغم الفوضى المسيطرة على مناطق عدة. ولا ينبغي إغفال عنصر مهمّ، وهو استمرار إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، التي رفعت إنتاجها بنسبة 47% ليصل إلى حوالي 8.5 مليون برميل يومياً.

القائلون بوجود أسباب سياسية لهبوط سعر النفط يستدلون على ذلك بسياسة المملكة العربية السعودية، التي شجعت على التراجع السريع في الأسعار رغم الأضرار التي يلحقه بها. ويعتقدون أن المملكة تتوخى التضييق على إيران، التي لا مصلحة لها ببيع نفطها دون سعر 100 دولار للبرميل، وكذلك إضعاف الموقف الاقتصادي الروسي، فيما تسعى روسيا إلى استعادة مواقعها السابقة في العالم. وهناك مَن يعتقد بأن السعودية تسعى أيضاً إلى التضييق على مصدّري النفط الأميركي، لأن كلفة انتاج برميل النفط الصخري الأميركي تبلغ ثلاثة أضعاف كلفة إنتاج برميل النفط السعودي، تقريباً.

إذا كان الهدف سياساً فقد حقق أهمّ أهدافه. ففي الاتحاد الروسي تبلغ عائدات النفط أكثر من نصف إيرادات الدولة، وكل تراجع بمبلغ 10 دولارات في سعر برميل النفط يقلص إيرادات الدولة الروسية سنوياً بمبلغ 14,6 مليار دولار. وقد انعكست تطوّرات سعر النفط على السوق النقدية انعكاساً كبيراً، فلجأ مصرف روسيا المركزي إلى رفع المعدّل الرئيسي للفائدة إلى 9,5%، وخسر الروبل 23% في سوق القطع منذ بداية العام، وتراجع بنسبة 9% أمام الدولار الأميركي في ثلاثة أسابيع فقط. إزاء الذعر الذي بدأ يتفشى في سوق القطع، يخشى مصرف روسيا المركزي من انهيار سريع يفجّر موجة تضخم، شبيهة بتلك التي عرفتها البلاد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

في إيران بدّد هبوط سعر النفط الآمال التي علقت على تخفيف قيود الغرب على إيران، التي تحتاج لوصول سعر البرميل إلى 137 دولاراً لكي تغطي مستويات الإنفاق التي ترغب فيها.

ولكن السعودية، التي شجّعت على تراجع سعر النفط، ليست بمنأى عن الخسائر التي ترتبها مستويات الأسعار الجديدة. تعتقد المصادر الدولية أن هبوط سعر البرميل إلى 75 دولاراً لفترة مديدة سيؤدّي إلى انخفاض فوائض المملكة إلى ثلث مستواها الراهن.

وتعتقد المصادر عينها أن انخفاض سعر النفط سيؤدّي إلى تراجع لا يقلّ عن 1% في معدّل النموّ الاقتصادي لدول الخليج. وفي آخر الأرقام السلبية، أوردت النشرة الاقتصادية الشهرية للبنك الأهلي التجاري NCB أن تحليل الناتج المحلي السعودي أظهر تراجع الاستهلاك في المملكة الذي يمثل أكثر من نصف الإنفاق. وذكر المصدر عينه أن نموّ الاستهلاك في المملكة، الذي كان يتجاوز 10% في النصف الأوّل من العام، انخفض إلى 8% في الفصل الثالث.

عندما نتحدث عن تباطؤ في الاقتصاد الخليجي وعن تراجع الفوائض في مالية الدول الخليجية، يتحوّل نظرنا فوراً إلى باقي اقتصاديات المنطقة، مصر ولبنان والأردن وسواها، لأن هذه البلدان تتأثر باقتصاد السعودية والخليج، في السرّاء والضرّاء.