القول إن لبنان يتربع على رأس قائمة الدول التي ينخرها الفساد لا يشكل أكتشافاً، ولهذا فإن تقرير “منظمة الشفافية الدولية” الذي وضعنا في مقدم الدول التي ينخرها الفساد لا ينطوي على أي مبالغة، ربما لأننا مثلاً البلد الوحيد الذي يضطر فيه المواطن المستقيم الى ان يدفع رشوة أحياناً الى الموظف المختص لكي يقبل ان يستوفي منه ما يتوجب عليه من الضريبة!
التصنيف الذي تقدمه “منظمة الشفافية الدولية” لم يعتمد على أي تحريات أو تحقيقات وراء الجدران الرسمية المقلقة، بل على إعترافات صريحة وواضحة وتسليم جماعي تقريباً من كل اللبنانيين، بأننا أبطال العالم في الفساد، حتى اننا نتقدم اليمن السعيد، على رغم أننا لا نمضغ القات بل نمضغ الأكاذيب والشطارة والنهب والسمسرة والسرقة على عينك يا تاجر.
الفساد مراتب ومدارس، وعندما يكون رأس السمكة غارقاً في فساد التلزيمات والسرقات وتلغيم المناقصات بحيث تتحول دائماً مزايدات في نهب المال العام، يتقاسم القردة جبنتها في ما بعد، فليس العتب على الجوارير التي تترك مفتوحة الى يمين معظم الموظفين، لإسقاط الرشوة فيها وهو ما نتعارف من الصرفند الى النهر الكبير، على تسميته “التزييت”، والتزييت يعني تسهيل مرور المعاملة كي تزحط من توقيع الى توقيع بحيث لا يأكلها الصدأ ولا تضيع في الطريق… ومبروك أستاذ.
ولشدة حرصنا على محاربة الفساد وضبط العملية الأدارية، أكتشفت قبل أعوام ان عملية شراء قلم رصاص في الدولة تحتاج تقريباً الى ٣٦ توقيعاً، وعندما يتعلق الأمر بعملية شراء بقيمة مالية عالية يصير الأمر في حاجة الى ٣٦ وقعة في التزييت!
إكتشفت المنظمة ان ٩٢٪ من اللبنانيين يعتقدون ان سوس الفساد ينخر في جسد الدولة المتهالك، أما الـ ٨٪ الباقون فلم تطرح عليهم الأسئلة بالتأكيد، وأنا أعتقد جازماً ان نسبة الفساد تصل الى ١٢٠٪ إذا إحتسبنا الذين سيولدون ويتسنمون الوظائف وربما يصيرون من الزعماء وكبار الموظفين.
المضحك ان المنظمة بالها مشغول على لبنان، لأنها تفترض ان هذا الإزدهار المذهل في مسيرة الفساد المظفرة قد يدفعنا الى حرب أهلية، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن جميع الفاسدين تقريباً أخوة متفاهمون متضامنون، لهم اساليبهم وقواعدهم في السرقة والسمسرة وإقتسام جبنة الدولة قسمة ضئزى، وبالتأكيد لم تسمع المنظمة بمعادلة “زيتلي تزيلتك”.
والفساد في لبنان تحول نوعاً من المبارزة الشرعية في نهش البقرة المذبوحة والمعلقة في ملحمة الطوائف والمذاهب، ولم يعد عيباً بل صار شطارة وإقتداراً… وعلى رغم ان تقرير العار هذا جاء عشية الإنتخابات البلدية، سنرى غداً كيف ستسير القبائل الى الصناديق لإختيار الذين يسلخون جلدها السميك جداً!