IMLebanon

“غابة السلاح” وتطوير التعايش والنظام

 

أن يحضر الجيش بقوة لردع المسلحين في فنيدق وعكار العتيقة ضرورة لا بدّ منها. لكن السؤال عن سبب امتلاك كلّ هذه الأسلحة واجبٌ. ثم كيف تتطور أحداث عادية الى حرب جبهات، ولماذا لا تنفتح أمام اللبنانيين خيارات تنظيم العيش مع السلاح أو بدونه بعدما فشلت تجربة الدولة المتعايشة مع السلاح؟

 

شرح لي ضابط متقاعد “موزون” أمس خريطة التسلّح في لبنان. لفتني في عرضه نفيه القاطع لنظرية انتشار السلاح لدى الجميع كما يروّج له بعض المدجّجين حتى الأسنان.

 

فإذا استثنينا الفلسطينيين وسلاح “حزب الله” الاستراتيجي، فإنّ المجموعات المسلحة “تابعة” ومزوّدة بسلاح متوسط فتاك وذخائر تتيح لها خوض معارك لأيام في أحياء بيروت والمناطق حتى بلا خطوط إمداد. وهي عموماً إما “سرايا مقاومة” متنوّعة الانتماء وتدور في فلك محور الممانعة والشيعية السياسية، أو انها سلاح سني، قليله متطرّف، ومعظمه ضعيف التنظيم يتحرّك لحظة الضرب على العصب، وخزانه هو الشمال، حتى وإن ظهر في خلدة والبقاع وأماكن أخرى ذكرتنا في السنوات الأخيرة بـ”خطوط التماس”. أما ما تبقى من سلاح هنا وهناك فلا يعدو كونه “فراطة” لا تدخل في الحسبان.

 

العنوان العريض للتسلّح مذهبي بامتياز وإن تستّر بقضايا وطنية وأهداف سامية أو بحجة حماية الذات والأرض والعرض. كلّ منطقة قابلة للاشتعال مذهبياً أو طائفياً او عائلياً او مناطقياً. هكذا نعيش على برميل بارود لا يهدّد “العيش المشترك” الاسلامي المسيحي فحسب، كما كاد يحصل عقب انفجار “التليل” أو في “لاسا” على سبيل المثال، بل يتربّص بالتعايش المذهبي خصوصاً، والسلم بين الأحياء والقرى، والأمن والأمان في مختلف أرجاء لبنان.

 

مؤلمٌ مشهد سيارات الدفع الرباعي بأسلحتها الثقيلة على احدى التلال بين فنيدق وعكار العتيقة، وأصعب منه أسر ابن قرية جارة بعد اشتباك بالرصاص. أين نعيش وفي أي غابة وما معنى وجود دولة وجيش وقوى أمنية في هذه الحال؟

 

ما حصل ليس مفاجئاً لمن عايش الحروب المتناسلة منذ العام 1975 والأحداث التي مهّدت لها في 1969 و1973 وما بينهما. لكن الخيبة تكمن في سقوط “الجمهورية الثانية” المؤسسة على “وثيقة الوفاق الوطني” التي أنهت الحرب في أيدي وصاية أطلقت العنان لسارقين ومجرمين شرّعوا النهب وأباحوا السلاح بدل بناء الدولة. أما الخيبة الكبرى ففي فقداننا مجدداً فرصة قيام دولة آمنة ببقاء السلاح خارج الدولة بعد تحرير الجنوب والبقاع الغربي، علماً أنه يعطي الشرعية لنقيضه الطائفي والمذهبي كونه يخل بـ”التوازن الأهلي” ويشكل أداة مشروع عنوانه: المساكنة للمغالبة.

 

بديهيٌّ، في خضم الكارثة الاقتصادية التي شلّت جاهزية القوى الأمنية، أن تسقط الهيبة ويتطاول الجميع على الدولة. كيف لا ونحن نرى رئيس حكومة ووزراء ونواباً وقادة أمنيين يرفضون المثول أمام المحقق العدلي في أخطر جريمة ارتكبت في حق لبنان، وطبقةً سياسية تتناتش الوزارات بعدما دمّرت كل مقومات الحياة؟

 

حان الوقت للكفّ عن تقسيم اللبنانيين بين مذاهب وطوائف ونزعات سياسية، بل واجب فرزهم بين راغب في العيش في مجتمعٍ متحضر، وبين قانع بتربية أبنائه في غابة اللادولة والسلاح. فلماذا لا يطرح هذا الخيار الجديّ مدخلاً لحفظ الوحدة الوطنية وتطوير النظام؟