IMLebanon

أوليغارشيتان لا تُنتجان وطناً

 

تتفاقم أزمة مرسوم منح قدم الترقية لضباط دورة الإنصهار الوطني وتتوالى فصولاً. أزمة انقطاع التيار الكهربائي والخلاف مع الشركات مقدّمي الخدمات في جبل لبنان الجنوبي ومحافظتيّ النبطية والجنوب، والإجتماعات العقيمة بين وزيريّ المال والطاقة، هي إحدى التجليّات الواعدة بنقل الأزمة الى قطاعات أخرى، حيث يتشابك نفوذ الرئاستين الأولى والثانية. أزمة المرسوم هي حكماً إحدى نقاط الإفتراق التي ستؤسّس عليها تحالفات الإنتخابات النيابية وإحدى مناورات تحديد الأحجام فيما بعدها. أزمة المرسوم تُنبئ أننا نذهب باتّجاه التأسيس لثنائيّة أوليغارشيّة على مستوى إدارة الدولة ولا نقول الحوكمة.

وبصرف النظر عن تحميل المادة 47 من قانون الدفاع ما لا تحتمل واستخدامها في غير المجال الذي وضعت من أجله، فإنّ رئيس الجمهورية يقول إنّ المرسوم لا يخالف الدستور ولا سيّما المادتين 54 و 56 منه، والرئيس بري بدوره يذكّر بضرورة الإلتزام بتطبيق إتّفاق الطائف لا سيّما المادتين إياهما وبالشهداء الذين سقطوا من أجل التوصّل الى هذا الإتفاق. يشبه حال الإشتباك بين الرجلين ما قالته ميركل في القمّة الحكوميّة في دبي في فبراير /شباط 2016  «المسلمون لهم رب واحد ونبي واحد ودين واحد وكتاب واحد لكن شوارعم تلوّنت بالأحمر من دمائهم، القاتل يصرخ اللهُ أكبر والمقتول يصرخ اللهُ أكبر».

فلسفة الطائف قامت على إناطة السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وأخضعت له القوات المسلّحة (المادة 65)، واعتبرت رئيس الحكومة مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة (المادة 64 ).  موقع رئاسة الحكومة تعرّض ومنذ ذلك الحين لحصار قادته سلطة الوصاية السورية وحلفاؤها في السلطة اللبنانية، كما تعرّض لحملة سياسية إتهمته بـ «السنيّة السياسية» تارةً وبـ «الحريريّة السياسية» تارةً أخرى وبتهميش موقع رئاسة الجمهورية. المؤسف كان في تماهي أهداف سلطة الوصاية مع أهداف راديكالية مسيحية مطالبه بالعودة الى دستور 1926 وفي التعامل مع الطائف على أنّه يؤسّس لأوليغارشيّة موقع رئاسة الحكومة .

أوليغارشيّة رئاسة الحكومة حوصرت على امتداد الجمهورية الثانية حتى أُسقطت في «إتفاق الدوحة» الذي فرض عليها تقاليد في الحكم من خارج الدستور، ليس أقلها نموذج حكومات الوحدة الوطنية والثلث المعطّل وحصة رئيس الجمهورية في الحكومة، وتكريس حكومات تصريف الأعمال ومنح الوزراء حق النقض المكتسب بحكم تعطيل إنتخاب رئيس الجمهورية. سقطت الأوليغارشيّة الحكوميّة المدّعاة أمام أوليغارشيّة المجلس النيابي الذي نجح في وضع الحكومة تحت سيطرته برفضه لمناقشة الموازنة لعشر سنوات وبإطلاق تفسيرات متعدّدة للمادة 49 وفرض أكثريات غير دستوريّة لتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية  لمدة سنتين ونصف. الأوليغارشيّة المجلسيّة التي أرستها الممارسة السياسيّة والعبث الإقليمي كانت أقوى بكثير من الأوليغارشيّة المزعومة التي منحها الدستور لرئاسة الحكومة.

أزمة مرسوم الترقيّة، وقبلها تأجيل انعقاد المجلس خلال العقد العادي من قِبَل رئيس الجمهورية سنداً للمادة 59 من الدستور، وعقد إجتماعات مجلس الوزراء الهامة في القصر الجمهوري  تُنبيء بأوليغارشيّة جديدة رئاسيّة هذه المرة.

الأوليغارشيتان المتصارعتان على جانبيّ موقع السلطة الإجرائية تعبّران عن ثقافة فوقيّة بما يخدم أكبر قدر ممكن من التصادم المجتمعي. أولغارشيّة المجلس نهلت من يوميات الصراع الإقليمي ومن الرغبة في قلب التوازن الذي أفضى إلى إتفاق الطائف، وأوليغارشيّة الرئاسة تُنهل من وثائق وأدبيات دستور 1926 وتريد الثأر أو إعادة الإعتبار لمرحلة ابتدأت مع نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل وانتهت في الثالث عشر من تشرين الأول 1990. ومع صراع الأوليغارشيتين كيف سيذهب لبنان الى روما وبروكسل وباريس لدعم إقتصاده وجيشه وحلّ مشكلة النازحين.

أسقط الطائف الأوليغارشيّة الرئاسيّة الأولى، والحتميّة التاريخية لن تلبث أن تُسقط كل أوليغارشيّة مجلسيّة كانت أو رئاسيّة. صراع الأوليغارشيتين لن ينتج دستوراً وتعايشهما لن ينتج وطناً.

 

مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات