Site icon IMLebanon

عمان بين الخليج وإيران

قرأت حديث وزير خارجية سلطنة عمان٬ يوسف بن علوي٬ في الزميلة صحيفة «عكاظ»٬ وسبق أن شاهدت مقابلته على محطة «روسيا اليوم» أيًضا٬ واللقاءان يطرحان المزيد من الأسئلة حول سياستها.

للذين لا يفهمونها٬ُعمان دولة غامضة٬ مع أنه يمكن تبسيط أسس سياسة السلطنة الخارجية٬ على الأقل كما نفهمها٬ في كلمة واحدة٬ العزلة. حكومة مسقط اعتزلت الدخول في النزاعات الإقليمية لعقود٬ وإن كانت لها مواقفها التي تعبر عنها.

ولا تستطيع كل الدول أن تتبنى المنهج الُعماني لأن معظم النزاعات تفرض نفسها. فالكويت احتلها صدام٬ والسعودية كانت تواجه المصير نفسه لو لم تقاتله. الإمارات لها جزر احتلتها إيران. البحرين مهددة بتغيير نظامها السياسي من قبل إيران. وليس كل السلام الذي نعمت به السلطنة كان نتيجة سياسة اعتزال الصراعات وتحاشي المحاور٬ هناك أيًضا العامل الجيوسياسي٬ فموقعها على الخريطة اختصر خياراتها على عدم إغضاب جيرانها في مجلس التعاون وإيران. السلطنة محظوظة بانتمائها لمجلس التعاون٬ المكون من أنظمة مسالمة تشاركهم حدودها البرية. وهذا لا يقلل من حكمة السلطان قابوس٬ الذي تمسك لعقود طويلة بسياسة النأي عن الصراعات والمحاور٬ وابتعد عن إلزام بلاده بأي موقف قد يكلفها ثمًنا.

إنما يجب أن نقول أيًضا٬ إننا لا نعرف دولة في العالم تستطيع أن تعيش بسلام فقط لأنها اختارت ذلك٬ تستطيع أن تعيش بسلام إذا سمح الآخرون لها بذلك٬ مثل سويسرا الدولة المحايدة٬ لأن هناك اتفاًقا على حيادها وقع في باريس عام 1815 .حيادُعمان أيًضا من قرار جيرانها الإيرانيين والخليجيين٬ مع أنه لا تخلو تعاملاتها الخاصة مع النظام الإيراني من انزعاج عند جيرانها الخليجيين. لكنهم جميًعا حريصون على استقرارها٬ فالسلطنة مرت بمحنة الربيع العربي عندما اضطربت المنطقة كلها عام ٬2011 وتجاوزتها بدعم سياسي واقتصادي من دول مجلس التعاون التي وقفت إلى جانبها أمنًيا واقتصادًيا.

هناك اليمن٬ الجار الوحيد الذي يمثل مصدر خطر محتمل لُعمان٬ أكثر من أي خطر عرفته السلطنة منذ السبعينات. وهو مصدر خطر قائم اليوم على السعودية. ولا تبدو سياسة مسقط حيال اليمن٬ من حديث بن علوي٬ مطابقة لبقية دول الخليج. والاختلاف معها يشمل كذلك رؤيتها للأزمة السورية. وفي كلتا الأزمتين٬ اليمنية والسورية٬ تبدو مسقط أقرب للنظام الإيراني منها إلى شقيقاتها الخليجية التي ترى أن النظام الإيراني خلف هذه الأزمات٬ وأنه صار يهددها أكثر من ذي قبل٬ وتحديًدا منذ بدء تفاوضه مع الولايات المتحدة٬ التي لعبتُعمان فيها دور ساعي البريد٬ ثم صارت مركز المفاوضات السرية.

وقد قال لي أحد كبار المسؤولين الخليجيين٬ بعد افتضاح سر التفاوض في خبر بصحيفة الـ«وول ستريت جورنال»: «لاُيغضبنا أن تكون هناك مفاوضات بين العدوين٬ الإيراني والأميركي٬ ولا يزعجنا أنُعمان تلعب هذا الدور خلف ظهورنا في المطبخ السري٬ المهم هي النتائج٬ وسنكون سعداء إن قبلت إيران إيقاف كل مشاريعها العسكرية والعدائية مقابل تخلي الغرب عن المقاطعة والمواجهة». بكل أسف تبين لاحًقا أنها لم تكن مفاوضات سلام٬ بل مصالحة مختصرة بين إيران والغرب على حساب أمن دول الخليج٬ والمنطقة كلها.

اليمن أصبح ساحة للإيرانيين بعد مفاوضات مسقط٬ وإن لم يكن لها علاقة مباشرة٬ إنما تسبب تصالح واشنطن معهم في تجرؤ النظام في طهران على التصعيد وفتح جبهات جديدة. قادم الأيام٬ قد تثبت أن اليمن مصدر خطر على الجميع٬ لا السعودية وحدها٬ إذاُتركت إيران تستغله كما تحاول اليوم. ودون اتفاق سياسي يعيد الشرعية لحكم اليمن٬ الاتفاق الذي هندسته الأمم المتحدة٬ ودعمتهُعمان ضمن المجموعة الخليجية٬ فإن اليمن سيتشرذم وحربه قد تصبح مزمنة٬ وليس من مصلحةُعمان٬ ولا السعودية٬ وبالتأكيد ليس الشعب اليمني مثل هذه النهاية المأساوية٬ لكن استمرار الحرب في اليمن يلائم فقط الاستراتيجية الإيرانية٬ التي تخوض حرًبا ضد دول الخليج والمعسكر العربي٬ تدعم القتال على خريطة واسعة تشمل العراق٬ وسوريا٬ واليمن٬ والتوتر في البحرين ولا يلائمُعمان الدولة الأكثر حضارية وبعًدا عن الحروب.