العاصمة الأميركية مليئة بالإشاعات عن اجتماعات عدة عُقدت بين مسؤولين سعوديين وسوريين. لكن أحداً من مالكي المعلومات لم يؤكدها كما لم ينفِها. علماً أن آخرها، وكان بين وليّ وليّ العهد في المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان ومدير مكتب الأمن الوطني السوري علي المملوك، يعتبر المسؤولون الأميركيون أنه انعقد. فضلاً عن أن معلومات جهات لبنانية واسعة الاطلاع أكّدت حصوله، مما سمح لوسائل إعلام لبنانية ليس فقط بتأكيده بل أيضاً بالحديث عن إيجابيات محلية له.
طبعاً لا يمتلك أحد “محضراً”، باعتبار أن اللبنانيين ووسائل إعلامهم يحبون محاضر الاجتماعات ويدَّعون امتلاكها، عن اجتماع محمد بن سلمان وعلي المملوك. لكن الحكمة والموضوعية تقتضيان الإشارة إلى أن مجرد حصوله مهم بعد سنوات من القطيعة بين بلديهما، ومن الصراع الحاد بل من الحرب بالواسطة. ذلك أنه يثبت نجاح المساعي الرامية إلى تمهيد الطريق للبحث عن تسوية سياسية متفاوض عليها للأزمة – الحرب في سوريا بين النظام ومعارضيه “غير الإرهابيين”، ومرعية من طرفيْها الإقليميَّين السعودية وإيران ومواكبة من طرفيْها الدوليَّين روسيا وأميركا. علماً أن تسمية طرف تنطبق على روسيا أكثر منها على أميركا ولا سيما بعدما أخذ على إدارة الأخيرة كل أطراف الصراع السوري غياب أي استراتيجيا واضحة لها حياله. والحكمة والموضوعية نفسهما تقتضيان الإشارة أيضاً إلى أن ارتفاع وتيرة لقاءات وزيرَيْ خارجية أميركا وروسيا والمسؤولين الروس مع السعوديين والإيرانيين والسوريين تثبت أن هناك عملاً جدّياً تمهيدياً جارياً لدفع الأزمة – الحرب في سوريا على طريق التسوية، علماً أن ذلك كله لا يضمن نجاحها، على الأقل حتى الآن. والحكمة والموضوعية نفسهما تقتضيان الإشارة أخيراً إلى أن دخول عُمان طرفاً أساسياً في الوساطة والتمهيد بين الأطراف المتنازعين، ولاحقاً ربما ساحة تفاوض معلن وغير معلن هو، في ذاته، دليل على جدية ما يُحاك رغم عدم وضوح نتائجه. فهذه الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي لم تخلّ بموجباتها حياله، ولم تخلّ بموجبات صداقتها مع إيران وجيرتها لها، وابتعدت عن التحوُّل طرفاً في الصراعات الإقليمية، وقامت، وهذا هو الأهم وبعيداً من الإعلام ومن دون رغبة في الدعاية لنفسها، بدور أساسي في تواصل غير مباشر بين واشنطن وطهران أولاً ثم في استضافة تواصل مباشر بينهما. كما استمرت في نقل الرسائل الإيجابية بين الطرفين وساهمت ربما في تدوير الزوايا.
في اختصار كيف ينظر الأميركيون إلى الاتصالات المشروحة أعلاه؟
هي جيدة ومفيدة وضرورية، يجيب متابع أميركي جدّي، لكنه يضيف: إنني أتطلع شخصياً وكذلك الإدارة إلى حل متفاوض عليه للأزمة السورية، لكنني أعتقد أنه لا يزال مستحيلاً حتى الآن على الأقل، ولذلك سببان: الأول هو أن الرئيس بشار الأسد ومحيطه يعرفان أنه فور خروجه من السلطة بعد اشتراكه في التوصل إلى تسوية نهائية للأزمة – الحرب سيتّهمه عدد من الدول، من بينها تركيا وفرنسا، مع “مجموعته” بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية. وهذا الأمر يجري البحث فيه في الاتصالات “التمهيدية” المذكورة أعلاه. وأما أميركا فلن تشارك في ذلك لأنها ترى أن مسؤولية هذه الجرائم تتوزع على جهات عدة داخل سوريا وخارجها. أما السبب الثاني فهو أن تخلِّي الأسد ومجموعته عن السلطة سيُبقي جيشه الذي صار مؤلفاً، بعد ضمور حجمه، بمعظمه من أبناء طائفته وأقليات أخرى. وذلك يبقيها قابضة على السلطة وخصوصاً إذا كان الهدف الدولي عدم ضرب المؤسسات والانطلاق منها لإعادة بناء الدولة. وهذا أمر ليس سهلاً قبوله على أعداء الأسد داخلاً وخارجاً. طبعاً، يضيف المتابع الأميركي نفسه، يبقى موضوع إعادة إعمار سوريا وعودة النازحين منها إليها. وهذا أمر مكلف جداً ولا أحد يبحث فيه الآن. وهذا يعني في اختصار أن طريق التسوية في سوريا لا تزال طويلة وأن مزيداً من الدم سيسيل على أرضها وأن ترميم النظام فيها صار مستحيلاً. ويمكن الاستناد لترجيح ذلك إلى البند الثالث من مبادرة إيرانية لسوريا قدّمها وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الى الأمم المتحدة قبل أشهر وهو: حماية دستورية للأقليات (في سوريا). وذلك اعتراف بأن حكم طائفة الأسد لسوريا كلها لم يعد ممكناً.