.. فجأة تحول الطفل السوري عمران الى سندباد يجوب العالم ويجلس على كراسي «الكبار» ويحدثهم عن دموع أطفال هطلت فيما يعيش آخرون بنعيم لا يقدّر.
.. يحدثهم عن دماء صغار روت أرض الشام، بفعل اجرام موقّع بيد قاتل غير آبه ومن فصيلة الوحوش.
.. يناديهم بأسمائهم زعيما زعيما، ويسخر من تواطئهم حينا وصمتهم حينا آخر، بل ويهزأ من لعبتهم القذرة التي يهونها والمتمثلة بتقسيم العالم وتوزيعه فيما بينهم كما تُقسّم الجبنة وتوزع، وذلك مهما بلغت الأثمان.
.. هو أراد أن يصعقهم بل يستفزهم بصمته ودمائه التي جفت بعد أن اخترقها الغبار راسما لوحة جميلة على ذلك الوجه البريء الصافي.
.. لقد انتصر عمران كما انتصر قبله ايلان طفل البحر الباحث عن حياة كريمة في قسم آخر من العالم بعد ان مزّق العالم قسمه المفضل.
.. فجأة بتّ أرى صورة عمران التي اجتاحت الصحف والشاشات، في كل زاوية وبتّ أرى وجه كل طفل وكأنه مغطى بالدماء المجبول بالتراب، بل أرى كل طفل وقد احتل وجه عمران وجهه.
لن أزيد تعكير صفو ابن الأعوام القليلة وأخبره أن هنالك «صحافيين» أو أشبه بالكتبة، قد دونوا عبارات اقشعرت لها مساحات مواقع التواصل الاجتماعي.
كما لا أرغب بإخباره أننا تنافسنا على الاستنكار وتهافتنا على كتابة كلمات عميقة ومعبرة، فكل ما فعلناه نحن المتقاعسون لا يعنيه ولن يمسح عن عينيه الضباب ولا عن قلبه الصدمة التي تلقاها.
هو بدا وكأنه جمع كل ما أراد أن يقوله الغيارى على الثورة، وقدّمه الى المتآمرين والراقدين، علّه يتحرك شيء في داخلهم ويحركوا ساكنا على الرغم من أن اليقين هو أن صورته ستصبح طي النسيان كصور كثيرين من نظرائه، وسيأتي غدا من يذكّرنا أن أطفالا يستشهدون ويجرحون ويأنّون كل يوم، هنالك حيث الموت أصبح قاعدة والحياة هي الاستثناء.