IMLebanon

على مسيحيي الشرق التمسك بانتخاب رئىس في لبنان

صحيح أنّه لا يجوز التلاعب بالقانون اللبناني، واقتراح انتخاب رئيس لمدة سنة أو سنتين، لأنّ في ذلك ضرباً بالحائط للدستور والمؤسسات والأعراف، غير أنّه وسط الجمود الرئاسي الحاصل منذ سنة و11 شهراً، ثمّة أطراف داخلية وخارجية تطرح «تصغير» ولاية الرئيس لمرة استثنائية واحدة فقط لا غير بهدف حلحلة الأمور وإنقاذ البلاد، وليس الزيادة في تعقيدها.

كذلك لا تطمح هذه الأطراف الى «إضعاف» موقع رئاسة الجمهورية بقدر ما تحاول فتح ثغرة في باب هذا الاستحقاق، على ما تقول أوساط ديبلوماسية عليمة، إلاّ أنّه لا يبدو أنّ أي طرف سياسي قد أيّد هذا الأمر، متسلّحاً بتطبيق القانون بحذافيره أي بانتخاب رئيس لمدّة ستّ سنوات. علماً أنّ أحداً لم يُقدّم حلّاً لمهزلة عقد 38 جلسة للانتخاب حتى الآن، من دون أي جدوى، أو حتى من دون أي تقدّم ولو خطوة واحدة نحو الانتخاب.

فالانتخاب، أيّاً يكن، أفضل من عدمه، تضيف، خصوصاً أنّ المسيحيين باتوا يعتقدون بأنّ انتخاب الرئيس المسيحي بات شبه مستحيل، أو أنّه أصبح كحلم بعيد المنال، وسط ما تشهده دول المنطقة من أزمات قائمة على أسس دينية وطائفية، وقد أظهرت، مع الأسف، قدرتها على تهجير أكبر عدد ممكن من المسيحيين الى الخارج. الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة: هل لم يعد فعلاً مرغوباً ببقاء المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، وهل تسعى بعض الدول الإقليمية الى عرقلة انتخاب الرئيس اللبناني قدر المستطاع، كونها تريد تغيير الأنظمة على هواها، أو وفق الأكثرية التي ستحكم في المستقبل القريب؟!

إنّ تهجير مسيحيي الشرق بهدف إفراغه منهم، وإن لم ينجح بشكل واضح وظاهر للعيان، على ما أشارت الأوساط نفسها، غير أنّه يحصل في الواقع شيئاً فشيئاً، فالأرقام الصادرة عن مراكز الأبحاث الأميركية وسواها تدلّ على كيفية تضاؤل أعداد هؤلاء بشكل دراماتيكي في دول المنطقة. وتشير الى أنّها تراجعت من 20 في المئة في القرن الماضي، الى 5 في المئة في المرحلة الراهنة، وما يزال التراجع مستمراً مع استمرار الصراعات في بعض دول المنطقة.

يكفي معرفة أنّ «التطهير الديني» في كلّ من العراق وسوريا في السنوات الأخيرة أدّى الى نقصان عدد المسيحيين فيهما الى أكثر من النصف أو ثلاثة أرباع، فبات المسيحيون في العراق لا يتجاوز عددهم نحو 275 ألفاً بعد أن كان 1.4 مليون نسمة قبل الغزو الأميركي، فيما تراجع عددهم في سوريا من 2.2 مليون الى نحو مليون حالياً. فيما قلّت أعدادهم كذلك في مصر من عشرة ملايين الى نحو 7.6 ملايين نسمة، وفي لبنان من 1.6 مليون نسمة أي ما نسبته 39% الى أقلّ من ذلك بقليل. وفيما تضاءل عددهم في فلسطين الى مئات الآلاف بعد أن كان يُشكّل نحو 3.4% من تعداد سكّان الأراضي الفلسطينية، يصل الى 6 % من عدد السكّان في الأردن الذي يبلغ نحو 6.33 ملايين نسمة. وفي ذلك خطورة ملحوظة على «تفريغ المنطقة»، من المسيحيين وإنهاء التعددية الدينية فيها لمصلحة المخطط المرسوم للمنطقة لحصر المواجهة فيها بين المسلمين واليهود.

وبغض النظر عن الأسباب التي أدّت وتؤدّي الى هذا الوضع الخطر، فإنّ الشرق الأوسط من دون مسيحيين، لن يكون له طعم ولون، على ما شدّدت الأوساط نفسها، حتى أنّه لن يكون بأمان، على ما يعتقد اليهود أو سواهم. ومن هنا تبرز ضرورة التمسّك بوجودهم أولاً في المنطقة، وإن كانوا أصبحوا أقليات (لا سيما في لبنان بعد أن كانوا يُشكّلون ما نسبته 65 % من عدد سكّانه)، وثانياً برئيس الجمهورية الذي لا يُمثّل الشعب اللبناني فحسب، بل كلّ مسيحيي المنطقة.

فرئيس الجمهورية اللبناني، كونه الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، من شأن وجوده تعزيز الوجود المسيحي فيها وتطويره في حال عاد الأمن والاستقرار الى سائر دولها. وهذا الأمر قد يعيد اليها عدداً كبيراً من الذين هاجروا الى دول الخارج، فيستعيدون دورهم االاستراتيجي والمهم القائم على وصل الشرق بالغرب، وعلى احترام الحضارات والديانات والتعددية الطائفية، وما الى ذلك. ومن هنا، فإنّ كلّ من لا يريد انتخاب الرئيس في لبنان، فهو لا يريد بقاء المسيحيين فيه إنّما يسعى الى تهميش دورهم والسيطرة على الذين تبقّوا منهم. غير أنّ الأطراف السياسية في البلد، على ما لفتت، لا تُعلن عن ذلك بل على العكس تقول بضرورة انتخابه في أسرع وقت ممكن، لكنّها لا تُترجم كلامها في مجلس النوّاب، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات في هذا السياق.

وترى أنّه لا يجوز للأطراف السياسية التفريط بالمسيحيين في هذا البلد، لأنّه لا يُمكنه أن يستمرّ بجناح واحد، ولا بسيطرة فريق على آخر، أو ظلم فريق لآخر، خصوصاً انّ الاتفاق بين السنّة والشيعة ليس على خير ما يُرام، وما يزالون بحاجة للمسيحيين للتوفيق فيما بينهم. فالوحدة الوطنية هي المطلوبة في هذه المرحلة بدلاً من التفكّك والتباعد لأنّها هي التي تجعل البلد متماسكاً وسط كلّ ما يحصل من حوله من نزاعات وحروب.

ولعلّ أكثر ما يُحقّق هذه الوحدة، هو انتخاب الرئيس وفق ما ينصّ عليه الدستور، وعدم التفريط بهذا الموقع أو محاولة اختزاله من قبل مجلسي الوزراء والنوّاب أو رئيسيهما. ولهذا فعلى السياسيين في الداخل إيجاد الحلّ المناسب لتحقيق وحدتهم الوطنية لأنّه فيما عدا ذلك، سيكون الجميع خاسراً.