Site icon IMLebanon

على أميركا تقويم سياستها العراقية منذ 2003!

عن سؤال: “ما هو النظام الاقليمي الجديد؟ لا أعتقد أن أحداً يعرف”، الذي طرحه المسؤول السابق الذي رافق عملية السلام مع الشرق الأوسط من موقعه الرسمي ولا يزال يرافقها من موقع الباحث الجدّي، أجبتُ: لا أحد يعرف. معك حق في ذلك. لكن أظن أنه مستقبل بعيد، أي يحتاج تكوّنه واستقراره الى وقت طويل جدّاً. لا تزال ملامحه غير متبلورة. فالحروب المشتعلة حالياً قد تمتد الى دول أخرى. في شمال افريقيا مشكلات واضطراب كامن مع تحديات عنفية اسلامية متشددة، وقد يؤدي ذلك الى الاشتعال. في الخليج مشكلات كثيرة لكنها لا تزال مضبوطة. لبنان على حاله من الاستقرار الهشّ القابل للتحوُّل انفجاراً. لكنه صامد رغم النار المتأجّجة على حدوده، والأخطار الكثيرة التي تهدده بانفجار. كنتم (أميركا) تقولون في السابق: المنطقة مستقرة. وكان حكامها المستَبدّون مقتنعين بأن لا مشكلات عندهم. وقد أقنعوكم بذلك. الاّ أن “الربيع العربي” الذي أزاح الضغوط عن الشعوب أظهر غياب الاستقرار الفعلي في ظل الأنظمة القائمة، وذلك جراء مشكلاتها الكثيرة من طائفية ومذهبية ودينية وأثنية ومناطقية. لذلك ربما يُحدِث النظام الاقليمي الجديد تغييرات في جغرافية الكيانات القائمة أو داخلها. مثلاً، لا يمكن تصوُّر نظام اقليمي جديد من دون كردستان العراق دولة مستقلة أو كياناً يتمتع بحكم ذاتي واسع في اطار فيديرالية أو كونفيديرالية. ولا يمكن تصوُّره أيضاً من دون لامركزية لأكراد سوريا رغم رفض تركيا حتى الآن، ولامركزية أو فيديرالية لعلويّي سوريا. ولا يمكن تصوُّر العراق مركزياً. فهو معرَّض في ظل النظام الجديد لأن ينقسم دولاً ثلاثاً أو لأن يصبح دولة فيديرالية. وذلك يعني تقسيماً مقنعاً. لذلك كله لا بد من الانتظار.

سأل المسؤول السابق والباحث الحالي نفسه: “هل هناك مجال لأن يقوم حاكم عربي أو مسلم قوي بجمع الشعب أو “الشعوب” حوله؟ وهل هناك امكان لأن تنشأ الدولة المدينة أو الدول المدن”؟ أجبتُ: لا أحد يستطيع أن يجزم في هذا الأمر. أستبعد زعيماً عربياً أو مسلماً جامعاً في هذه المرحلة. لكن المقلق في الدُوَل المُدن أو في الدول الفيديرالية والكونفيديرالية واللامركزية وحتى في الدول المنقسمة هو أن تتسبب بحروب وعدم استقرار في المنطقة كلها، خصوصاً اذا لم يرافق ذلك تفاهم نهائي بين أميركا والمجموعة الدولية 5+1 (أي المجتمع الدولي كله) وايران والغرب وتركيا واسرائيل”. سأل من جديد: “ماذا عن اسرائيل”؟ أجبتُ: اسرائيل لا تتضرّر من حروب تغرق فيها المنطقة كلها وخصوصاً من الحرب السنّية – الشيعية. فهي دولة قوية، لكن عليها طبعاً أن تحتاط لأن لها دوراً وان غير مباشر في بعض ما يجري في المنطقة. عليها أن تسأل نفسها مثلاً: من أفضل لها على حدودها مع لبنان وسوريا “داعش” و”النصرة” و”القاعدة” أو “حزب الله” الذي صار حقيقة عملية قائمة وثابتة ويمثِّل ايران؟ ومن أفضل على حدودها مع الأردن ومصر “داعش” أم منظمات أخرى؟

ثم انطلق الحديث الى ليبيا فقال: “هي دولة فاشلة. مصر تحكي معها. ونحن يقظون لأن عندها مشكلات كثيرة. السعودية مستقرة بالمقارنة مع غيرها. وايران لا مصلحة لها في هزّ استقرارها. لكن ماذا لو لم يحصل اتفاق نووي بين ايران والمجموعة الدولية 5+1، أو ماذا لو وجّهت اسرائيل ضربة عسكرية الى ايران؟ أما في العراق فعلى أميركا أن تعرف جيداً ماذا يجري وأن تقرِّر ماذا تفعل، فهي متورِّطة فيه جزئياً وغير متورطة جزئياً أيضاً”. علّقتُ: عليها أن تعيد تقويم السياسة التي نفّذتها في العراق منذ احتلاله عام 2003. هل كان ذلك قرارها أم استُدرجت اليه؟ رأيي أنها استُدرجت. فشيعة ايران لم ينسوا لأميركا في عهد الرئيس بوش الأب التلويح بمساعدتهم اذا ثاروا ضد نظام الراحل صدام حسين من خلال ارسال جيشه الى العراق بعد تحرير الكويت عام 1991، ثم احجامه عن ذلك، الأمر الذي سمح لصدام بقمعهم وقتل عشرات الآلاف منهم. ايران استفادت من هذا الأمر، وأوحت لواشنطن أن العراقيين، وخصوصاً الشيعة منهم، سينثرون الورود على جيشها اذا حرَّر بلادهم من صدام. فحرَّرتها وفوراً بعد ذلك بدأت الثورة عليها. لذلك على أميركا أن تعرف قرار غزو العراق كيف اتُّخذ ومَن أعدّه ولأي أسباب وماذا كانت أهدافه الفعلية؟ ولماذا تحوّل انقاذ العراقيين الى احتلال ثم الى تحقيق أهداف إيران؟

ماذا على أميركا أن تعرف أيضاً؟