قبل أي حديث أو تقويم أو رأي حيال هبّات التظاهر العونية، تقتضي الإشارة الى خطيئة ارتكبت في تظاهرة “النفير” عصر الأربعاء قبل يومين، وهي على درجة من الخطورة بلغت حد اللعب بالنار.
أما الخطيئة، فهي تلك اللافتات التي رفعت، وكانت علم “تيار المستقبل”، وقد كتب عليه: “الدولة الاسلامية – إمارة لبنان”، وعلم آخر مشابه كتب عليه: “ألوان الدولة الإسلامية الحقيقية”، كما عممت صورة العلم الثاني موضوعاً أرضاً، وقد داسه بعض المتظاهرين. ولا ضرورة بالتأكيد لإعادة نشر تلك الصور المقززة، التي إن دلت على شيء، فإما على سوء تقدير في أحسن الأحوال، وإما على سوء نية، وهو الاحتمال الأرجح لأن رفع تلك الأعلام كان عن سابق تصوّر وتصميم ولم يكن ابن ساعته أو نتيجة اجتهاد شخصي، فقد أخذ مصمّموها وقتهم في “ابتداع” الفكرة والطباعة… ويعرف السذّج أن مثل تلك الخطوة عادة تكون نتيجة قرار حزبي…
مَن يعرف الطرفين، “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل” يدرك خطورة تلك الصور، ولا حاجة الى تكرار ما كُتب على مواقع التواصل… فماذا أراد التيار العوني من تلك الخطوة؟ وما هي الرسالة التي أراد إيصالها؟
بدا واضحاً، على خلفية اتهامات سابقة، أن هذا التيار – من حيث يدري أو لا يدري – والأمل في أن يكون لا يدري – يدفع في اتجاه التشجيع على “الداعشية” وما شابه، ويركز بشكل خاص على “تيار المستقبل” وكأنه يريده أن يصبح كذلك، لتبرير “داعشية” أخرى في المقابل، عنده، وعلى طريقته سياسياً وإعلامياً يروّج لها، وتدل عليها طريقة اختيار “المشايخ” ونوعية “الإسلاميين” في الدعوات المتكررة الى “البرامج الحوارية”… وخلاصتها تخويف الجمهور لإحكام السيطرة عليه!
وعلى خلفية العلم المشار إليه، وكذلك على خلفية دعوة العماد ميشال عون الى الفيديرالية ذات يوم، يمكن تركيب إعلام وأعلام تزيد الاحتقان وتعمّق هوّة الخلاف الذي انتهى مرات عدة، بمجرد انعقاد لقاء بين الجنرال والرئيس سعد الحريري…
ويبدو واضحاً من الهجوم العوني على “المستقبل” أن “التيار” يبحث عن مشكل وليس أفضل من الهدف الذي اختاره لاتهامه باغتصاب “حقوق المسيحيين” التي يرفع لواءها. إنه عنوان “مسيحي” يستلزم “المشكل” مع “مسلم”، علماً أن مغتصب الحقوق، وفق هذا الشعار، يفترض أن يكون كل من هو غير مسيحي، أو حتى من هو مسيحي مشكوك في ولائه… ولكن اختيار الخصم هنا يأتي نتيجة حسابات وحسابات…
ومرة جديدة يبدو عون، الأبرع في إسداء الخدمات لخصومه السياسيين، وآخر خدماته جاءت لمصلحة “المستقبل” الذي بدا في موقع المستضعف الذي يتعرض لهجوم وافتراء و”دفش” في اتجاه “الداعشية”!
ومرة جديدة، وعلى الرغم من “دق النفير” وحملات تعبئة، بدا التجاوب مع دعوات الجنرال المتكررة هزيلاً. عذراً للتعبير، ولكن هذا ما شاهده الجميع بأم العين، والحجم يبدو أكثر وضوحاً عن بعد، أو من طبقة أعلى…
بالأمس جرت اتصالات مع سياسيين على تواصل مع العماد عون، وقد طلب منهم تنبيهه الى خطورة تلك الشعارات والأعلام والتي، وفق تعبير أحدهم “تستحق “إيّاك” تحذيرية، ولكن هذه المرة في الاتجاه المعاكس: “إياك يا ميشال عون” وباللهجة نفسها التي قالها لجان قهوجي”، ودائماً مع حفظ الألقاب، وقد أبلغ بعضهم الرسالة الى الجنرال وأوحى أنه نفى علمه بها وأن “لا خلاف شخصياً مع أحد”!
وفي معركة “الدفاع عن حقوق المسيحيين” من الضروري جداً، منعاً لأي التباس، تحديد مغتصبي تلك الحقوق وتجريد حملة لاستردادها قطعاً للطريق على اتهامات الخصوم لعون بأنه يحمل مطالب شخصية يسميها حقوق المسيحيين، وأن قضيته الوحيدة اسمها: بعبدا!
أصدقاء الجنرال وحلفاؤه، من “حزب الله” الى سليمان فرنجية، الى، حتى سمير جعجع، وكل العقلاء، مطالبون بالتدخل الفوري للحؤول دون تكرار “واقعة” الأربعاء، منعاً للتحريض الطائفي والمذهبي، من خلال شعارات وأعلام لا تمت الى حقوق الناس، مسلمين ومسيحيين، بأي صلة!