IMLebanon

حول مطلب «الاستفتاء» في إيران

أظهرت الرسالة التي انتشرت مؤخراً عن 15 شخصية سياسية إيرانية من مختلف التوجهات المعارضة، أنهم ترفعوا عن خلافاتهم وطالبوا بشكل موحد بإجراء استفتاء عام على نظام الحكم في إيران برعاية الأمم المتحدة، والانتقال السلمي من الجمهورية الإسلامية إلى نظام ديمقراطي برلماني علماني، إلى جانب المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الإيراني!

والاستفتاء تعريفاً يعني إتاحة الفرصة لجميع المواطنين في بلد ما أو منطقة أو إقليم محدد، لإبداء رأيهم في سياسة أو اقتراح للتصويت لتغيير الدستور أو حكومة بديلة.

ومطلب الاستفتاء في إيران ليس جديداً، وقد عبر الإيرانيون خلال الأربعين عاماً الماضية بطرق مختلفة عن هذا المطلب بأساليب مختلفة لتغير وإسقاط النظام.

بيد أن الاستفتاء العام على نوع نظام الحكم وعلى طريقة الشخصيات الموقعة علي الرسالة المذكورة يبدو أمراً بعيد المنال، حيث أن الأمم المتحدة بكل بساطة لن تجري هكذا استفتاء لأنه ببساطة لا يسمح القانون الدولي بذلك.

كما أن مسألة إجراء استفتاءات بشكل مستقل وحيادي من قبل النظام في إيران وفي الداخل مستحيل ما دام هذا النظام يقبض على السلطة.

من المهم أيضاً أن نشير إلى أن الأمم المتحدة لا تدعو أو تدعم وتتعاطف مع أي نموذج محدد لنوع الحكم أو الأنظمة السياسية في البلدان الأعضاء. فإذا كانت الأمم المتحدة مكلفة تنظيم وإجراء انتخابات أو استفتاء في منطقة معينة، فإنها تكلف بذلك من قبل الجمعية العامة أو مجلس الأمن. ويجوز لحكومة ما أن تقرر إجراء استفتاء حول قضية سياسية رئيسية، حيث يمكنها طلب المساعدة التقنية من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة.

إذن نرى أن الموقعين على رسالة المطالبة بالاستفتاء في إيران، ومنهم بعض المحامين، لا أخذون بعين الاعتبار القانون الدولي حث جاء في رسالتهم في 11 فبراير (شباط)، تزامناً مع ذكرى الثورة عام 1979 بـ«إجراء استفتاء عام تحت إشراف أممي لتحديد ملامح النظام المستقبلي في البلاد».

في نفس الوقت، وصف الموقعون على البيان، النظام الحاكم في إيران بـ«القمعي غير القابل للإصلاح» والذي «دفع بالبلاد إلى الانغلاق السياسي وحال دون جميع الآليات للمراقبة الدستورية وعمل على تفويت جميع الفرص للإصلاح السلمي وتحول إلى عقبة أمام حرية الشعب الإيراني وتطلعاته».

وبالتزامن مع مطلب هذه الشخصيات المعارضة بالاستفتاء، هناك مقترح آخر للاستفتاء طرحه الرئيس الإيراني حسن روحاني، وذلك حول إلزام بيت المرشد لحل الصراعات داخل أجنحة النظام. واستند روحاني للمادة 59 من الدستور الحالي.

وفي الواقع جوهر المطالبة حول الاستفتاء بين هؤلاء الموقعين على الرسالة وروحاني واحد، وهو الاختيار بين حكومة حسن روحاني التي توصف بـ «المعتدلة» وبين رأس النظام أي المرشد خامنئي وبطانته.

ويبرر الموقعون على الرسالة مطلبهم بالاستفتاء بأنه تكتيك نضالي ويختلف عن استفتاء روحاني لأنه مطلوب أن يتم تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن الغاية من هكذا طرح بين الطرفين واحد وهو الخوف من الفوضى وفقدان السيطرة على الأوضاع في حال حدث التغيير، ويتضح هذا جلياً عندما نرى أن هؤلاء الأشخاص الموقعين على رسالة الاستفتاء ليس لهم حزب أو حركة أو قوة سياسية على الأرض، لكنهم اقترحوا لأنهم يعتقدون أن الأمور قد تخرج عن السيطرة إذا ما أدت الاحتجاجات إلى إسقاط النظام في إيران.

وبعبارة أخرى، يخشى هولاء الـ 15 من أن تتحول الاحتجاجات إلى ثورة تسقط النظام بأكمله وليس فقط الحكومة أو إزالة المرشد.

شخصياً أعرف جيداً بعضاً من الموقعين ومنهم شركاء في النضال خلال الأربعين عاماً الماضية وأعرف بعضهم من أيام الجامعة، حيث بقينا أصدقاء، والبعض الآخر مثل السيدة شيرين عبادي أصدقاء وزملاء في مجال حقوق الإنسان لفترة طويلة. وأعلم أنهم يختلفون عن بعضهم البعض فكرياً وسياسياً ولديهم أهداف مختلفة وكلهم لا يمتلكون دعماً حزبياً أو سياسياً معيناً، فهم نشطاء مجتمع مدني مستقلون.

وللأسباب التي طرحت أرى أن طرحهم لن يكون له صدى مؤثر، حيث أنهم لم يتحدثوا إلى أي تنظيم أو حزب او تيار سياسي إيراني معارض، وهذا السؤال الذي طرح عليهم لم يلق إجابة حتى الآن.

وبما أن الاستفتاء هو الحرية في اختيار نظام سياسي تحديداً فلماذا يتم تجاهل أصوات الناس الذين خرجوا إلى الشوارع في أنحاء مختلفة من إيران في أكثر من 130 مدينة وبلدة وطرحوا بوضوح شعارات «إسقاط النظام» و«الموت للولي الفقيه خامنئي»، حيث شملت هذه المظاهرات كافة المناطق بدءاً من مشهد وطهران وأصفهان ومروراً بمناطق بلوشستان وإقليم الأهواز العربي وكردستان وأذربيجان.

وخلافاً لاحتجاجات الحركة الخضراء التي بقيت محدودة في طهران، شاركت في هذه الاحتجاجات مختلف المناطق والقوميات لا سيما الفرس والتي لا تزال مستمرة بأشكال مختلفة حتى الآن.

في الواقع، أغلب مكونات المجتمع في إيران، لا سيما الشعوب غير الفارسية، شاركت ومنذ 100عام سواء خلال العهد الملكي، وخلال سنوات سلطة الجبهة الوطنية وإلى ثورة عام 1979 وحاولت استغلال أي فرصة لمحاولة إسقاط النظام، حيث نهض أبناء الأتراك الأذريين والأكراد والعرب الأهوازيين والبلوش والتركمان والقشقائيين وغيرهم إلى جانب المنتفضين.. وكل هذه الحركات تعد نوعاً من الاستفتاء الشعبي.

لكن ما هي مصلحة وأهداف هؤلاء النشطاء الموقعين على هذه الرسالة؟ برأيي يمكن أن نلخصها فيما يلي:

– استمالة التيار القومي الفارسي المتطرف الذي يخشى تفكك أو انهيار إيران.

– استمالة الإصلاحيين الذين يريدون فقط إسقاط المرشد خامنئي وأخذ مكانه.

– كسب من يعتقدون بالثورة الهادئة وتغيير النظام بطريقة تدريجية ومرحلية.

– كسب من يعتقدون أن الاحتجاجات ستضع النظام في موقف الدفاع وبالتالي إضعاف النظام تدريجياً وتغييره في نهاية المطاف.

– كما أن هناك بعض القوى الانتهازية التي تحاول أن تلعب دور الوسيط في مفاوضات محتملة بين السلطة والشعب المنتفض.

وفيما يتعلق بالمجاميع التي تطرح حلولاً لكيفية تطبيق الاستفتاء على تحديد شكل النظام السياسي المستقبلي بعد إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، فيمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين؛ إذ هناك من يرى بوجوب إشعال ثورة شاملة لأن هذا النظام لا يمكن له الاعتراف بأي استفتاء أو تغيير أو إصلاح، كما أن القوميات ترى أنه لا يمكن أن الاعتراف لها في الحكم الذاتي.

أما المجموعة الثانية، لا تزال تؤمن بالمشروع الإصلاحي، وهو إجراء استفتاء حول تحديد نوع الحكومة وحل القضايا الخلافية والأزمات بغية إصلاح كل النظام تدريجياً، دون وقوع ثورة كبرى أو تحول سياسي شامل.

ومن المفارقات، أن بعض الإصلاحيين ينظرون إلى الاستفتاء كخيار لاختيار نموذج حكم مستقبلي بديل لولاية الفقيه وبالتالي هذا سيؤدي إلى انتقال السلطة في أيديهم، الأمر الذي تدل كل المؤشرات والمعطيات بأنه أمر مستحيل الحدوث.

وبعبارة أخرى، يرى الإصلاحيون أن الاحتجاجات الحالية معادية للثورة وتهدف إلى الإطاحة بالنظام برمته؛ ويرون أنها مدمرة للغاية وتضر بالبلد ومستقبل الأمة. أما الإصلاحيون الذين يعارضون الاستفتاء فينتظرون عودة محمد خاتمي إلى الساحة السياسية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن أتباع خامنئي الذين لا يقبلون بكل هذه الطروحات أساساً، ولا يؤمنون بأصوات الناس، يقولون إن ثورة الخميني جاءت لتبقى وتستمر وتصدر إلى الخارج وسيتم سحق كل من يقف بوجهها.