سماحة السيد حسن نصرالله… إتهم الجماعات الشيعية اللبنانية، التي تجاهر بمعارضتها لسياسة حزب الله الخارجة عن كل حدود وروادع متعارف عليها في كل الأوطان وكل الدول الحريصة على بقائها ووجودها واستمراراها في الحياة ذاكرا بأنهم يمثلون الجزء من الشيعة المنتمي والمنتسب إلى السفارة الأميركية في بيروت، هكذا وبكل بساطة، مسح عن هؤلاء وعن كثيرين غيرهم، كل معالم الإنتماء الوطني، وجردهم من معالمهم الروحية، وخونهم بأقسى تهمة أوجدها بحقهم مستمدة من القاموس الإيراني، متجاهلا ما لكثيرين ومنهم من موقع وطني وقومي وديني شديد التمييز والإحترام، كما ان لكثيرين منهم موقع يساري معادي للأميركان وسفاراتهم أكثر بكثير من معاداة الإيرانيين لهم، علما بأن تطورات الأحداث على مستوى العلاقات الاميركية – الإيرانية، قد ارتقى إلى أحسن أحواله، وإلى مرتبة لم يعد يعتبره فيها الإيرانيون ولواحقهم، شيطانا أكبر، ونشير إلى ما نلحظه أن الكثيرين من أبناء البيئة الشيعية قد بدأوا يتململون وينتفضون على ما يرون من انتماءات مستجدة في مجتمعهم الراسخ جذورا في هذه الأرض اللبنانية العربية، حيث بدأت تظهر إلى العلن تصرفات وتصريحات وممارسات فئوية دونما أية مراعاة لأية أوضاع تسود هذا البلد المتعدد بطوائفه ومذاهبه وتياراته السياسية والإجتماعية والثقافية، وقد بدأت أوساط الحزب تجاهر بسفور غريب عجيب، بانتماءاتها إلى الخارج الإيراني، وخروجها إلى ما بعد الحدود… إلى سوريا وما بعد بعد سوريا، وصولا إلى اليمن، وارتكازا إلى طهران، وضلوعها في عمليات قتالية متتالية متعددة الأوجه والتوجيهات، الأمر الذي أودى بحياة المئات من أبناء هذا البلد، حيث عادوا إلى أهلهم جثثا تحتضنها توابيت لم ترحم شبابهم ومستقبلهم المنتظر في هذا الوطن. لقد لمحت قيادة الحزب لدعوة قريبة إلى التعبئة العسكرية العامة، محوطة بدق النفير والتلميح إلى قرع طبول الحرب في الخارج وفي الداخل، وقد ذكر سماحة السيد في كلماته الأخيرة عن أن لا مانع لديه ولدى حزبه من أن يقضي من مجمل الطائفة الشيعية الآلاف المؤلفة من أبنائها في عملية «الجهاد» القائمة على الأرض السورية إستنادا إلى الإيمان الراسخ بولاية الفقيه، وتعليمات وأوامر وليها، سواء كتبت وأفهمت باللغة العربية أم باللغة الفارسية، وهو يريد نقل اجزاء من هذه الحرب، إلى الأرض اللبنانية، بما قد يؤدي إلى تدمير كل ما زال سليما معافى من هذا الوطن المنكوب.
ويا أيها اللبنانيون… مسيحيين ومسلمين ، سنّة وشيعة ودروزاً، وإلى أية جهة أو فئة انتميتم، عليكم بالسمع والطاعة، فالحزب قد أطبق، بعسكره ودويلته على كل ما في هذه الدولة من مواقع ومنافذ ومنافع ومصالح… له المؤسسات السياسية والإدارية والأمنية والقضائية، يحكم ويتحكم بمن يشاء ويصدر بوساطاته الطائلة والقادرة أحكام العفو، كما وأحكام الإعدام، يعزز وجود من يشاء ويلغي من يشاء من الوجود، وبعد أن كان يدعو خصومه وأعداءه المحليين إلى ملاقاته في الوغى السوري على الأرض السورية، ها هو اليوم يدعو الجيش اللبناني إلى مواكبته ومؤازرته في غزوته المظفرة وحربه الضروس ضد من يسميهم بالتكفيريين والمخربين، متناسيا تماما، أن هناك شعباً سورياً غير منتم إلى ولاية الفقيه بغالبيته الكاسحة، ولا يأتمر بالأمر الإيراني ولا تحركه عقيدة غير عقيدته، وإيديولوجية غير التي ينتمي إليها على مر التاريخ. ألم نطلق جميعا على سوريا صفة قلب العروبة النابض. هل تحرك الشعب السوري يوما بشعارات وأهداف قومية وسياسية تخرج عن النطاق القومي العربي؟ ألم تكن سوريا وشعبها في طليعة الساعين الى الوحدة العربية وقد حققتها فعلا مع مصر جمال عبد الناصر وإن اسقطتها المؤامرات لاحقا تنفيذا لرغبات غريبة، مشبوهة وآثمة.
ها هو النظام القائم يتنصل من ذلك كله ويتعامل اليوم، على طريقته الغاشمة، محاولا فرض ما لديه من انتهاجات فئوية ومتقوقعة في زوايا المذهبيات البغيضة، ولئن نجح عن طريق العنف والقهر في فرضها على الشعب العربي السوري، ولئن أطلق من السجون والمخابيء والزوايا المعتمة، آلاف المساجين الذين تشكلت منهم داعش واخواتها وهو اليوم يتآلف معها بصورة مموهة في توجيه الضربات القاسية إلى شعبه الذي ثار على واقعه المفروض، وهو مستمر في ثوراته التي تلقى مستخلصا من مواقف إنقاذية متتالية من روسيا والمدّ الإيراني المقتحم لبعض الإمتدادات العربية المعروفة والمحددة، وهي التي أفلحت حتى الآن في تأخير موعد انهياره الحتمي.
وها هو التهديد والوعيد، الواضح والمقنع، يغزل من حول بعض المواقع ذات الخصوصية والرمزية المعينة وفي طليعتها قرية عرسال ومحيطها، وهي قرية، شأنها شأن غالبية اللبنانيين، قد سلمت مصيرها للجيش اللبناني وأبت أن يكون لها غير الدولة مرجعا وانتماء، وقد نأت بنفسها بالقدر الذي استطاعت ومكنتها ظروفها الصعبة من البقاء خارج الصراع الذي أدخل به لبنان وتعقيداته الوطنية والطائفية والمذهبية، إلى الأرض السورية، بكل أخطارها ومطباتها ورضوخها الواضح والفاضح إلى النفوذ والأمر الإيراني.
وها هو الحزب مصحوبا بالتيار العوني، يحاول زجها في أتون الخلافات والصراعات المحلية والإقليمية القائمة، تمهيدا لتدفيعها ثمنا لا ذنب لها فيه إلا من خلال وجودها الجغرافي ونسيجها الفئوي والإجتماعي الذي شاءه لها القدر. ولئن انقلب الحوار الداخلي القائم في هذه الايام العصيبة ما بين الحزب وتيار المستقبل، إلى درجة عالية من الحماوة والإلتهاب الحاد، وصولا إلى هذه الدرجة المؤسفة من الخروج عن كل قيد والتزام بقواعد السلم الأهلي والأصول الميثاقية والوطنية، الأمر الذي يكسر ما افرزته جهود التلطيف والتخفيف والتهدئة من أصول وقواعد أبعدت عن اللبنانيين حتى الآن، مزيدا من حالات التدهور والخطورة، ويخشى من خلال المستجدات والخطابات المحتقنة والحاقنة، أن تدفع بها بعيدا إلى غياهب التأزم الحاد والإنفجارات الخطيرة.
وعليه، إن بعض المراقبين باتوا يرون في مستجدات هذه الأيام، مزيدا من الإنغماس في الحالة السورية التي بدأت تنقلب إلى حالة محضر إيرانية والتي بدأت كل الظواهر تنم عن بدايات واضحة لسلسلة من الإنهيارات التي بدأت تتسارع في أماكن تواجدها، كما إن الإنطلاقات الجامحة باتجاه الداخل السوري في هذه الأيام تؤكد على محاولات يائسة باتت تبذل لإنقاذ النظام السوري تحت ذرائع شتى، مستترة بأعذار وذرائع متنوعة تفرضها كل مرحلة من المراحل المستجدة بصورة مختلفة، ما يهمنا في الواقع من كل هذه التطورات الحادة أن يبقى لبنان على حد أدنى من السلامة والبعد عن التفجيرات الخطيرة التي لن تفيده وتفيد ابناءه في شيء، اللهم إلا اذا كان هذا الشيء، يشكل خدمة لمصالح ومطامح ومطامع الآخرين، التي لم تعد خافية على أحد.