«وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم» (البقرة – 216) هذه الفقرة من الآية الكريمة أكثر ما تنطبق على حالنا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان والمنطقة. فالأزمة التي فجّرتها تلاوة الرئيس سعد الحريري كتاب استقالته من الرياض في الرابع من شهر تشرين الثاني الجاري، يبدو أنها متجهة الى إيجابيات بدل التداعيات. ولو شئنا أن نتحدث عمّا آلت اليه النتائج، لأمكننا الإسهاب والإطالة، إلاّ أننا نكتفي بالإشارات الآتية:
أولاً – أثبت رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أنه فعلاً «الرئيس القوي»، وأن القوة ليست المادية الغاشمة إنما هي في إتخاذ القرار الصعب في اللحظة الصعبة.
ثانياً – تبيّن أنه عندما يكون توافق في ما بين أركان السلطة يمكن التسريع في احتواء الأزمات، فلا تفلت من عقالها لتترك تداعيات مؤسفة وربما تكون موجعة كذلك.
ثالثاً – أظهرت الأزمة أن اللبنانيين يمكنهم (بأطيافهم كلّها) أن يلتقوا على موقف موحّد، ولو في الحد الأدنى «إذا ساورتنا الفتن» كما يقول أمين بك نخلة (في النشيد الوطني).
رابعاً – لقد بدا واضحاً أنّ الإختلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية. وقد رأينا أنّ جميع من تشاور الرئيس ميشال عون وإياهم، أمس، في القصر الرئاسي، يلتقون عند نقط محدّدة وهي كثيرة. بمعنى أن هناك عديداً من القضايا والمسائل التي يمكن التوافق عليها.
خامساً – لقد أظهر حزب اللّه، وأمينه العام سماحة السيّد حسن نصراللّه أنّه حاضر للتجاوب في الملمات، وأن ثقته بالرئيس عون كبيرة، وأنّه حريص على «التسوية الكبرى» التي جاءت بالجنرال رئيساً للجمهورية، وأن هذه التسوية لاتزال قابلة للحياة بالرغم ممّا اعتراها من صعوبات.
سادساً – بدوره حزب القوات اللبنانية بدا مصراً على هذه التسوية ومتمسكاً بها، كما أعلن رئيسه الدكتور سمير جعجع بعد تشاوره مع رئيس الجمهورية.
سابعاً – لا شك في أن الرئيس نبيه بري وأيضاً الزعيم وليد جنبلاط قد أديا (إفرادياً وثنائياً) دوراً بالغ الأهمية في تثبيت التفاهم والتوافق والتسوية… ولعلّ في بنودها الكثير ممّا أنتجته قبّعة «الأستاذ» من أرانب.
ثامناً – ولقد يكون الرئيس سعد الحريري هو أكثر المستفيدين ليس من الأزمة إنما ممّا آلت إليه هذه الأزمة، خصوصاً على الصعيد الشعبي، وقد كرّسته التطورات زعيماً كبيراً في طائفته وزعيماً وطنياً على المستوى اللبناني من خلال التعاطف والتأييد غير المسبوقين اللذين حظي بهما.
تاسعاً – لقد برز وزير الخارجية لولباً ومحوراً فاعلاً عندما كان الوطن في حاجة الى المعالجة الخارجية للأزمة (…) واستطراداً لقد أدرك من لم يكن قد أدرك بعد، أن لبنان ليس متروكاً لمصيره عندما يكون أهل الحكم على قلب وربّ.