الكتائب والقوات لا يزالان على موقفهما من الجلستين التشريعيتين اللتين دعا إليهما الرئيس نبيه برّي تحت عنوان «تشريع الضرورة»، لكنهما ينطلقان من موقعين مختلفين، فالكتائب ترى دعوة الهيئة العامة لجلسات تشريع مخالفة للدستور الذي نصّ صراحة على أنه في حالة الشغور في رئاسة الجمهورية يتحوّل مجلس النواب إلى هيئة ناخبة ولا يقوم بأي عمل آخر قبل إنتخاب الرئيس، ويذهب رئيس الحزب أكثر من ذلك معتبراً بالاستناد إلى الدستور أن دعوة رئيس المجلس لعقد جلسات تشريعية بمثابة انقلاب على الدستور وعلى الميثاق الوطني، الأمر الذي حمل الحزب على اتخاذ قرار المقاطعة ولن يتراجع عنه، حفاظاً منه على ما تبقى من الدستور والميثاق وكل الأعراف والتقاليد المتبعة منذ قيام دولة الاستقلال والتي حافظ عليها اللبنانيون في كل التعديلات التي أُدخلت على الدستور منذ العام 1926 وحتى تاريخه.
أما القوات فقد تجاوزت هذه القضية الجوهرية، وسلّمت مبدئياً بتشريع الضرورة على أساس أن يقترن ذلك بإدراج قانون الانتخاب في أول جلسة تُعقد لهذه الغاية ومعها إدراج قانون إستعادة الجنسية، من منطلق أن القانونين هما ضرورة لبنانية وأكثر من لبنانية لانتظام الدولة وتحقيق المشاركة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين المكوّنين اللذين يتشكّل منهما الوطن وهذا معناه أن معارضة القوات تنطلق أيضاً من المحافظة على الميثاقية لأنها مبنية على الميثاق الوطني أي على الميثاقية، وأي إخلال بها هو إخلال بالصيغة التي ارتضاها جميع اللبنانيين.
ويُفترض أن يلتقي التيار العوني مع حزبي الكتائب والقوات في نفس الخط والموقف لأنه كما يدّعي دائماً بأنه حريص على الصيغة وعلى الميثاقية ويشكو من الإخلال في التوازن بين المكوّنين المسيحي والمسلم لمصلحة الثاني مما أدى إلى تهميش المسيحيين في الدولة الأمر الذي لا يمكن السكوت عليه، وحتى أمس، كان لا يزال موقفه غامضاً أو غير محسوم من دعوة الرئيس برّي، وما إذا كان سيشارك في الجلستين المقترحتين أو سيقاطعهما إنسجاماً مع مواقفه السابقة وتضامناً مع الأحزاب المسيحية الأخرى التي فضّلت المقاطعة وتحميلها مسؤولية تعطيل عدد من المشاريع المالية التي تحمل طابع الضرورة الملحّة التي تُبيح المحذورات، وإن كانت الدفة حتى أمس ما زالت تميل إلى ترك الحرية لنواب التكتل والحزب في المشاركة أو المقاطعة في الوقت الذي ينتظر حزبا الكتائب والقوات أن يأتي موقفه متناغماً مع موقفهما بالمقاطعة.
قرار المقاطعة الذي اتخذه حزبا الكتائب والقوات، كان محل انتقاد قاسٍ من القوى السياسية الأخرى ومن بعض القوى المسيحية واعتبروه تخلّياً عن الدور المسيحي في حماية لبنان والمحافظة على دولته، لأن الرئيس برّي لم يُقدم على هكذا خطوة رغبة منه في النيل من المسيحيين ولا الخروج على الميثاق والميثاقية بل من أجل إنقاذ الدولة من الإفلاس التي يدق أبوابها في حال تخلّت عن مسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي أو من وضع لبنان على لائحة الدول الفاشلة، وهو لا يكون بذلك شكّل سابقة تجاوز الميثاق وفعاليته ولا تجاوز الدستور الذي حصر مهمة مجلس النواب بانتخاب رئيس جمهورية من دون أن يعطي أي حق في القيام بأي عمل تشريعي أو غير تشريعي آخر، وكان اللافت في دفاع هذا الفريق عن القرار الذي اتخذه الرئيس برّي أن الأحزاب المسيحية المقاطعة التزمت الصمت حياله، وكأنها توحي بأن الأمر لا يزال قابلاً للأخذ والردّ ولا يزال بالتالي هناك إمكانية للوصول إلى تسوية على الطريقة اللبنانية.