إذاً، ثبُت بالدلائل القاطعة أنَّ الشعب والطبقة السياسية خطَّان لا يلتقيان، وإذا كان واضحاً ما هو المقصود بمصطلح شعب، فإنَّ المقصود بمصطلح الطبقة السياسية هو معظمُ النواب، الحاليين منهم والسابقين، ومعظم الوزراء، الحاليين منهم والسابقين، ومعظم الرؤساء الحاليين والسابقين.
رجال الطبقة السياسية في غُربةٍ عن الشعب ومطالبه ومعاناته، فلا أحد منهم يشعر بوطأة ما يشعر به الشعب، هل سمعتم مثلاً أنَّ نائباً أو وزيراً أو رئيساً شكا من غلاء قسط مدرسي أو جامعي أو من ارتفاع فاتورة الكهرباء أو فاتورة المازوت للمولِّد الخاص؟
هل سمعتم أنَّ نائبا او وزيراً شكا من تقسيط سيارة أو سداد قسط منزل؟
هذه الطبقة في غربةٍ عن معاناة الناس وعما يشعر به الشعب، وربما هذا هو السبب الحقيقي لإطالة أمَد الأزمة، لا بل الأزمات، إذ كيف لطبقةٍ أن تعالج مشاكل لا تشعر بها؟
تقودنا هذه الوقائع إلى ناحية مالية لا بد من الإشارة إليها وهي بعض الموازنات التي تُصرَف لبعض المواقع، فموقع رئاسة الجمهورية له موازنة معينة، ولكن في حال الشغور الرئاسي لماذا لا توزَّع هذه الموازنة على مَن هُم بحاجةٍ إليها؟
لماذا لا توزَّع مثلاً على طلاب بلدة بعبدا، حيث يقع القصر الرئاسي، ولا سيَّما على المحتاجين إلى القسط المدرسي لإكمال سنتهم الدراسية؟
إنَّ موازنة سنة من رئاسة الجمهورية تُنعِش طلاب مدرسةٍ بكاملها.
ثم هناك موازنات الأسفار والزيارات الخارجية الرئاسية، في كلِّ رحلةٍ رئاسية كانت تُخصص موازنة مرموقة للعائلة وللمقربين وللإداريين وللمستشارين، وهكذا فإنَّ الوفود الفضفاضة كانت تحتاج إلى موازنات فضفاضة، وكلها كانت تُصرَف من الخزينة وتذهب من درب مضنٍ هُو بحاجةٍ إليها.
اليوم لا رئيس ولا مستشارين ولا عائلة ولا محظيين، فلتُصرَف هذه الموازنات على مَن هُم بحاجةٍ إليها. وبالمناسبة هل تعرفون كم هم المحتاجون؟
إنَّ موازنات الرئاسات كلها والوزارات كلها تكاد أن تكفي، فلتُصرَف الموازانات على الناس المحتاجين، فهُم يستحقونها قبل غيرهم.
وما يُقال عن موازنات الرئاسات والوزارات يُقال أيضاً عن موازنات أخرى، ونقول هذا الكلام لأنَّ النفحة الثورية بدأت تدبُّ في عروق الناس ومسامهم، هُم يرون ماذا يجري ويعرفون الدقائق والوقائع ولم يعُد يُخفى عليهم شيء.
إنَّ الأزمات الإستثنائية لم يعد من الجائز معالجتها بأساليب تقليدية، ونقيض التقليدية هو الثورية، وعندما يجوع الشعب فإنَّه لا يعود يسأل إلا عن حياة عائلته وصمودها وبقائها واستمراريتها، إنَّها غريزة البقاء، فما النفع بالنسبة إلى المواطن إذا ربح الوطن ولم يستطع ربح عائلته؟
فنظريات المعنويات من أنَّ الرئاسة تأتي أولاً عند السياسيين فكيف تأتي أولاً وهُم في التهاءٍ عنها، حيناً بمصالحهم الخاصة وحيناً آخر بتأمين مستقبل أبنائهم، فيما مستقبل أبناء الشعب لا أحد ينظر إليه أو يهتمُّ به.
أيها الناس، إذا بقيتم صامتين وفي سكون، فهذا يعني إما قبول وإما إستسلام، وبالتأكيد فأنتم لستم قابلين ولستم مستسلمين، إذاً هبُّوا للدفاع عن بقائكم واستمراريتكم، والمطالبة بالمخصصات الرئاسية التي صرفت على مدى سنوات طوال، على أقله لا رئيس للجمهورية فلتصرف مخصصاته للعائلات الاصيلة التي بحاجة ماسة اليها. فالساكت أو الساكن لا يأخذ حقَّه.