Site icon IMLebanon

على ُحجاجها جنت إيران!

انتهت مهمة الوفد الإيراني في جدة٬ بأن أعلنت بلاده بعد عودته إليها٬ أنُحجاجها لن يؤدوا الفريضة هذا العام!

والفقرة السابقة٬ هي اختصار شديد٬ لكلام كثير راح٬ وكلام أكثر جاء٬ بين الوفد٬ وبين المسؤولين المعنيين في السعودية٬ حول حجاج إيران في هذه السنة٬ وحول الضوابط التي لا بد أن تحكم وجودهم في الأراضي المقدسة٬ وكانت الحصيلة في النهاية٬ بعد مفاوضات دامت أياًما٬ أن الوفد أدى الُعمرة٬ وعاد إلى طهران٬ ليتم بعدها الإعلان عن حرمان حجاج إيران٬ في الموسم المقبل٬ من أداء الركن الخامس من أركان الإسلام! كنت أبحث في كل كلام منشور حول المفاوضات٬ عن التفاصيل٬ وكنت أريد أن أتعرف منها٬ على حقيقة ما تريده إيران على وجه التحديد٬ ولن أكون مبالًغا٬ إذا قلت إني اكتشفت في آخر المطاف أنها تريد أن تبعث ثوريين٬ لا حجاًجا مسالمين٬ وطبيعيين٬ لأداء المشاعر٬ وأنها تريد توظيف حجاجها٬ سياسًيا٬ بما يخدم أفكاًرا محددة لديها!

ومما قاله عادل الجبير٬ وزير الخارجية السعودي٬ أثناء مؤتمره الصحافي مع فيليب هاموند٬ وزير خارجية بريطانيا٬ يوم الأحد قبل الماضي٬ في الرياض٬ تستطيع أن ترى أن الجانب الإيراني لم يكن جاًدا٬ وهو يفاوض٬ وأنه لم يكن يريد حجاًجا إيرانيين٬ عاديين٬ مثل سائر حجاج بلاد الله٬ ولكنه كان يريد شيًئا آخر٬ لا علاقة له بالحج٬ كفريضة على كل مسلم مستطيع٬ ولا بما يجب أن يتم من جانب الحاج٬ في أثناء حجه٬ فلا يخرج عليه.

مثلاً.. قال الجبير إنهم في طهران طلبوا منح التأشيرات من إيران٬ فقررت المملكة تيسيرها عن طريق الإنترنت.. وقال إنهم طلبوا أيًضا نقل نصف حجاجهم عبر ناقل إيراني٬ فوافقت الرياض.. وقال إنهم عادوا وطالبوا للمرة الثالثة بـ«تمثيل جدة» عن طريق السفارة السويسرية٬ فتمت الموافقة رغم قطع العلاقات٬ في أعقاب الاعتداء الذي وقع على السفارة السعودية٬ وعلى القنصلية في إيران٬ في أول هذا العام. ثم ماذا؟!.. رفض الوفد٬ بعد هذا كله٬ التوقيع على مذكرة تفاهم٬ وعاد إلى بلده الذي أعلن ما أعلنه!

أعترف بأنني تعاطفت مع إيران في البداية٬ وأعترف بأنني كنت مشفًقا عليها٬ وهي تفاوض من أجل حجاجها٬ في وقت ليس فيه تمثيل دبلوماسي سعودي عندها٬ بعد واقعة الاعتداء الشهيرة على السفارة والقنصلية.. وأعترف بأني كنت في مراحل التفاوض الأولى٬ أجد نفسي منحاًزا إلى الطرف الإيراني٬ وهو يصور نفسه في موقع المظلوم٬ الذي يطلب العدل والإنصاف!.. كنت أجد نفسي منحاًزا إليه إنسانًيا.

ثم أعترف بأني بعد كلام الوزير الجبير٬ الذي لم يصدر حوله أي نفي أو حتى اعتراض إيراني٬ قد فقدت كل تعاطفي٬ وإشفاقي٬ وانحيازي المبكر لجانب إيران!

وكان ذلك عائًدا٬ بالأساس٬ إلى أن أي منصف كان يتابع مراحل التفاوض المختلفة٬ قد أحس لا بد مثلي٬ بأن إيران تتعسف٬ وهي تفاوض٬ وأنها لم تكن تفاوض٬ ليكون لها حجاج٬ شأنها شأن أي بلد يتوافد منه الحجاج في موسم الحج٬ وأنها فيما يبدو كانت في الأصل تفاوض عن نوايا غير حسنة٬ وكانت تفاوض بهدف إفشال كل جهد مبذول لصالح حجاجها٬ وليس بغرض توظيف مثل هذا الجهد لصالحهم٬ ثم كانت وهي تفاوض٬ تريد أن تخرج على العالم الإسلامي٬ برسالة مفادها أنها ضحية٬ وأنها مظلومة٬ وأن السعودية تقف في طريق أداء أي إيراني لفريضة الحج!

تستطيع بسهولة أن تستشف هذه المعاني٬ من المعركة كلها٬ إذا جاز أن نسميها معركة٬ وخصوًصا بعد كلام وزير الخارجية السعودي٬ الذي لو كانت إيران تملك رًدا عليه٬ أو تفنيًدا له٬ لكانت قد سارعت إليه٬ ولكانت قد ملأت به الدنيا.

كانت إيران تفاوض بمنطق التاجر الذيَتْبرع فيه٬ ومع ذلك٬ فإنها حتى بهذا المنطق٬ لم تستطع أن تصل إلى شيء٬ لأنه كمنطق يميز أي إيراني عن غيره٬ كان يقتضي أن تأخذ هي ما حصلت عليه من مكاسب٬ في أثناء التفاوض٬ وأن تبحث عن المزيد وتسعى إليه٬ وهو ما لم يحدث٬ وكان السبب في ظني٬ أن مكاسب حجاجها لم تكن تعنيها في شيء منذ البداية٬ لأن حجاجها كانوا مجرد غطاء٬ تريد من ورائه أن تحقق مكاسب سياسية أكبر من مجرد أن يأتي الحاج الإيراني٬ فيؤدي فريضته في سلام٬ ثم يعود في سلام٬ كما جاء.

لا.. لم يكن هذا هو الهدف٬ لأن هدًفا أبعد كان يتخفى وراء الهدف المرئي٬ والأقرب٬ وكان الواضح أن المفاوض الإيراني٬ كان يراوغ٬ ويزايد٬ أكثر مما يفاوض٬ وكان يرمي إلى أشياء أبعد من تلك التي كانت موضوعة أمامه على الطاولة!

كانت إيران تستطيع في مراحل التفاوض الأولى٬ أن تحتفظ بتعاطفي معها٬ وتعاطف غيري بالضرورة٬ ولكنها اختارت العكس٬ ثم اختارت مع العكس أن توظف حجاجها في  معركة ليست معركتهم٬ ولا تعنيهم في شيء٬ وأن تجني عليهم بالتالي دون ذنب منهم٬ فالذنب ذنب الذي كان يتكلم عن الحجاج٬ ثم ُيخفي أمًرا من وراء الُحجاج!