كلما حُلَّت عقدة في التأليف، برزت عقدة جديدة، هذا هو حال الحكومة منذ أن كُلِّف الرئيس الحريري تشكيلها، تتقدّم يوماً لتخال أن كل الأمور سوِّيت، ليظهر العكس في اليوم التالي وتعود العملية الانتخابية إلى نقطة الصفر، ويرتفع مجدداً منسوب الكلام عن أن العقدة الأساسية لا تكمن في الاختلاف على توزيع الحصص بل هي في مكان آخر، والهدف منها تأخير انطلاقة العهد أو تجنبه بإبقاء البلاد أطول مُـدّة ممكنة من دون حكومة إلى أن يحين موعد الانتخابات النيابية.
لكن التفاؤل بتشكيل الحكومة، لم يتلاشَ لا عند رئيس الجمهورية الذي يهمه السرعة في التأليف، لأن أي تأخير يصيب عهده بالأذى، ولا عند الرئيس المكلف الذي يهمه أيضاً سرعة الإنجاز الحكومي كي تنصرف الحكومة إلى إقرار قانون جديد تجري الانتخابات النيابية على أساسه بدلاً من قانون الستين الذي يلقى معارضة علنية من كل القوى السياسية على الساحة الداخلية، وبعد أن أجمعت كل التوقعات على ولادة الحكومة قبل عيد الإستقلال، عادت وأجمعت على ولادتها قبل عيد الميلاد على أبعد تقدير، بعد ما أزيلت آخر العقد المتمثلة بإسناد حقيبة الأشغال إلى تيّار المردة بناء على مناورة ذكية لرئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لم يُخفِ منذ اليوم الأول لبدء رحلة تأليف الحكومة إنحيازه لتيار المردة على حساب العهد، كما انحيازه إلى كل مكونات الثامن من آذار وربط موافقته على الاشتراك بالحكومة بموافقة كل هذه المكونات.
واستمر التفاؤل بالتشكيل إلى أن صدرت فجأة ومن دون أية مقدمات إشارات من الرئيس برّي بالعودة إلى الصيغة الثلاثينية لإشراك كل مكونات قوى الثامن من آذار بعدما كان الاتفاق على حكومة من 24 وزيراً قد حُسم في المشاورات بين رئيس المجلس والرئيس المكلف وطاولت كل القوى السياسية المعنية والتي تزامنت مع انتصار رئيس النظام السوري في حلب، والتفسيرات الكثيرة التي أعطيت لهذا الانتصار وانعكاساته على الساحة اللبنانية الداخلية، وذهاب البعض إلى القول أن ما بعد معركة حلب ليس ما قبلها، فعاد السؤال يُطرح بقوة عن الهدف الخفيّ من وضع العصي في طريق ولادة الحكومة كلما أعتقد الرئيس المكلف أنه أزاح واحدة منها من الطريق، وهل لهذا التبديل في الاستعجال له علاقة بمعركة حلب، أم أنه لا يزال في حدوده الداخلية التي لم تتغير أصلاً وإن لبست لبوس عقد توزيع الحقائب والمحاصصة والأحجام، وهي استنزاف العهد من خلال تعطيل التشكيل تماماً كإستنزاف قوى 14 آذار إلى أن رضخت للممر الإلزامي، وانتخبت العماد عون رئيساً للجمهورية قبل أن تخسر كل شيء.
آخر بيان لكتلة الوفاء للمقاومة كشف جانباً كان أضاء عليه الرئيس برّي، وهو أن القانون النسبي للانتخابات وتوسيع قاعدة التمثيل في الحكومة العتيدة يشكلان الممر الإلزامي لتشكيلها، بمعنى أنه من دون اتفاق مسبق على القانون النسبي لا حكومة ولا انطلاقة للعهد، ولأن مثل هذا الممر يبدو شبه مستحيل قياساً على رفض تيّار المستقبل والقوات اللبنانية للقانون النسبي الكامل الذي يُصرُّ عليه الثنائي الشيعي وحلفاؤه، فمعنى ذلك أن عملية التأليف عادت إلى المربع الأول، وأن موعد ولادة الحكومة أصبح في عالم المجهول.