يعتبر سقوط قاعدة العند الواقعة في محافظة لحج الجنوبية تطورا مهما على الصعيد اليمني، وذلك على طريق هزيمة المشروع الحوثي الذي هو مشروع ايراني اساسا. وهذا ليس عائدا إلى مساحة القاعدة التي تبلغ نحو ستين كيلومترا مربّعا فحسب، بل إلى موقعها الجغرافي أيضا.
العند هي البوابة إلى عدن والمناطق الحيطة بها، كما أنّها إحدى البوابات إلى أبين. فضلا عن ذلك، تتحكّم القاعدة التي بناها البريطانيون ثم وسعها وعززها الإتحاد السوفياتي، إبان الحرب الباردة، عندما كان يعتبر اليمن الجنوبي دولة تدور في فلكه، بالطريقين اللذين يربطان تعز، عاصمة الوسط اليمني، بالجنوب. لا يمكن العبور من تعز إلى عدن من دون المرور بالعند.
في حرب صيف العام 1994، كانت سيطرة القوات الموالية للرئيس علي عبدالله صالح على العند الخطوة التي مهّدت لوصول هذه القوات، المنطلقة من الشمال، من صنعاء تحديدا، إلى عدن والإنتصار في الحرب التي خاضتها مع الحزب الإشتراكي اليمني والقوات التابعة له. كان معظم القوات التابعة للحزب من بقايا الجيش النظامي في دولة الجنوب التي توحّدت مع الشمال في أيّار ـ مايو من العام 1990.
في العند انهار المشروع الإنفصالي الذي قاده في 1994 السيد علي سالم البيض نائب رئيس مجلس الرئاسة بعد الوحدة اليمنية والأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم دولة الجنوب.
في السنة 2015، تتجه المعركة من الجنوب إلى الشمال، أي من عدن إلى صنعاء. بدأت المعركة بتطهير عدن من الحوثيين (انصار الله) الذين غامروا بالنزول إلى عاصمة الجنوب بالتعاون مع قوات موالية لعلي عبدالله صالح، معظمها من الأمن المركزي، الذي صار يعرف بـ»القوات الخاصة« منذ تنحي الرئيس السابق عن السلطة في شباط ـ فبراير 2012 وحلول نائبه عبد ربّه منصور هادي مكانه بصفة كونه رئيسا انتقاليا لسنتين.
كان نجاح علي عبدالله صالح في حرب صيف 1994 عائدا إلى الحلف القائم بينه وبين اطراف عدة من بينها، بل في مقدّمها، التجمع اليمني للإصلاح الذي كان على رأسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. كان الإصلاح، الذي هزمه الحوثيون وأخرجوه من صنعاء قبل سنة، يشكل الحزب الإسلامي الأكبر في اليمن. كان يضمّ قوى قبلية والإخوان المسلمين والسلفيين. كذلك، كانت لديه امتداداته داخل القوات المسلّحة والأجهزة الأمنية، خصوصا جهاز الأمن السياسي. وكانت قيادات كثيرة في الإصلاح من منطقة الوسط الشافعية ذات الكثافة السكّانية الكبيرة. إضافة إلى ذلك، كانت هناك قوى جنوبية متحالفة مع علي عبدالله صالح. بين هذه القوى قسم من الموالين للرئيس الجنوبي السابق علي ناصر محمّد، ومن بينهم عبد ربّه منصور هادي نفسه. اختار عبد ربّه وقتذاك أن يكون في معسكر علي عبدالله صالح، على الرغم من أنّ علي ناصر محمّد فضّل البقاء على الحياد.
ما نشهده اليوم، هو حرب من نوع آخر انطلقت من عدن في اتجاه صنعاء. تسبّب الحوثيون في هذه الحرب بعدما اعتقدوا أنّهم طووا صفحة في تاريخ اليمن في اليوم الذي وضعوا فيه يدهم على صنعاء في الواحد والعشرين من ايلول ـ سبتمبر 2014.
ربّما بدأ زعيم «انصار الله» عبد الملك بدرالدين الحوثي، يدرك أن السيطرة على اليمن ليست سوى وهم وأنّ لا أفق لأيّ رهان على ايران، فدعا قبل أيام إلى «حلول سياسية» معتبرا أنّها «لا تزال في متناول اليد». هل بدأ الحوثي يعي أن المشروع الإيراني في اليمن إنتهى؟
كلّ ما في الأمر أنّ في استطاعة ايران استخدام «انصار الله» لتهديد الأمن الخليجي انطلاقا من اليمن. لكنّ الخليج لم يقبل بذلك ولم يقف مكتوفا حيال ذلك. وهذا يفسّر إلى حد كبير انطلاق «عاصفة الحزم» في آذار ـ مارس الماضي.
يطرح سيطرة «المقاومة الشعبية» وقوات «الجيش الوطني» على قاعدة العند اسئلة كثيرة. في مقدّم هذه الأسئلة ما مصير تعز، أكبر المدن اليمنية، التي ستستعيدها الشرعية اليمنية عاجلا أم آجلا. هل تبقى تعز مرتبطة بصنعاء، أي أن تُحكم من صنعاء بعدما ذهب الحوثيون بعيدا في مشروعهم الهادف إلى السيطرة على البلد كلّه من دون أن يكون لديهم أي مشروع سياسي أو اقتصادي ذي معنى باستثناء الشعارات المطاطة الفارغة من أي مضمون والتذرع بـ»الشرعية الثورية»؟
من الواضح أن الحوثيين ما كانوا ليصلوا عدن من دون الدعم الذي وفّره لهم علي عبدالله صالح في مرحلة معيّنة. لهذا الدعم حدود معيّنة من جهة، كما أنّ الإصرار الخليجي على ايجاد موطئ قدم للشرعية اليمنية لا حدود له من جهة أخرى. الأهمّ من ذلك، أن الخليجيين يعرفون أن عليهم تعزيز الشرعية اليمنية بطريقة أو بأخرى. هذا ما يفسّر الزيارة السريعة التي قام بها لعدن خالد البحاح نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء. يمكن للبحاح أن يشكّل واجهة مقبولة للشرعية، خصوصا إذا استطاع الإستعانة بوزير الخارجية في حكومته، وهو عبدالله الصائدي الذي يمتلك رصيدا على الصعيد اليمني والإقليمي والدولي.
أفلت الجنوب من «انصار الله». إلى أي حد يستطيعون الصمود في الوسط، خصوصا إذا اختلفت حساباتهم مع حسابات علي عبدالله صالح الذي لا يزال يمتلك قوّة عسكرية ذات شأن؟ الأهمّ من ذلك كلّه، ما الذي سيحصل عندما سينكفئ «انصار الله» في اتجاه صنعاء؟
تمدّد الحوثيون أكثر مما يجب. أغراهم الحلف الجديد الذي أقاموه مع علي عبدالله صالح في خوض مغامرة غير محسوبة. لم تأخذ هذه المغامرة في الإعتبار ردّ الفعل الخليجي من جهة ولا ردّ فعل اليمنيين في الجنوب والوسط الشافعيين من جهة أخرى.
ليس بعيدا اليوم الذي سيعود فيه الحوثيون إلى صنعاء، علما أنّه ليس مضمونا بقاؤهم في العاصمة اليمنية الى ما لا نهاية إلّا إذا ظنّوا أن لديهم ما يكفي من القوة لإخضاع أهل صنعاء. إضافة إلى ذلك، ستطرح عودتهم إلى صنعاء مسألة مرتبطة بالحلف الذي أقاموه مع الرئيس السابق والأوساط المحيطة به.
في كلّ الأحوال، دخل اليمن مرحلة جديدة. الأمر الوحيد الأكيد أن المشروع الإيراني القائم على سيطرة الحوثيين على البلد سقط نهائيا. ما ليس اكيدا مصير الوسط وعاصمته تعز ومستقبل الشمال وصنعاء بالذات، علما أن مستقبل شمال الشمال، أي صعدة والمناطق المحيطة بها سيبقى لغزا. لكنّه سيظل لغزا محاصرا، خصوصا في ضوء القرار السياسي المهمّ الذي اتخذه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. يقضي هذا القرار باغلاق ميناء الحديدة الذي لا يزال «انصار الله» يسيطرون عليه وحصر كلّ الحركة التجارية بميناء عدن ومطارها…وذلك إلى إشعار آخر.