IMLebanon

على هامش زيارة اليوم الواحد..

لا بد، بداية، من توجيه تحية تقدير وامتنان للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على أنه قد وجد فائضاً من وقته لزيارة لبنان العائم في فراغ دولته، برأسها وسائر المؤسسات، برغم الظروف الصعبة التي فرض الإرهاب باسم الإسلام على فرنسا، بل وأوروبا جميعاً أن تعيشها مع بروكسل بعد باريس.. وقبل الضربة الثالثة التي قد يوجهها تنظيم «داعش» إلى الآمنين في بلادهم البعيدة عن… دولة خلافته المزعومة.

والشكر للرئيس الفرنسي موصول لإقدامه على زيارة واحد من مخيمات النازحين السوريين في قلب سهل البقاع (حوش الحريمه) ليشهد بعينيه «عينة» من مأساة هؤلاء الأشقاء الذين يتعمد نسيانهم أهل النظام العربي، ملوكاً وأمراء مذهبين، ويغفل عن الانتباه إليهم «مؤتمر التعاون الإسلامي»… علماً بأن النازحين جميعاً من المسلمين الأحناف.

ونفترض أن الرئيس الضيف قد توصل، بعد اللقاءات الحاشدة التي عقدها مع أركان الطبقة السياسية، علمانيين ورجال دين، إلى استنتاج محدد خلاصته: إن أهل النظام في لبنان أعظم فساداً وإفساداً من نظرائهم في فرنسا، بل وفي أي مكان من هذا العالم!

بل إننا نقدر أن الرئيس الاشتراكي (بالأصل) لم يستطع التمييز بين من يدعي أنه من أهل اليسار ومن يتباهى بأنه من أهل اليمين، إذ انتبه إلى أنهم يتشابهون مسلكاً ومنطقاً وقيافة إلى حد التطابق.. بل إنهم «شركاء» في المنافع وبينها ـ بل أخطرها ـ الأزمة السياسية المفتوحة على المجهول بعنوان الشغور في منصب رئيس الجمهورية في هذه «الدولة» التي تختلط في نظامها الفريد زعامات الطوائف بقيادات العصابات صاحبة امتياز استثمار الدولة، بمرافقها جميعاً.

ومؤكد أن الرئيس الفرنسي قد استنتج خلاصة بسيطة: إن «الفراغ» يشمل بنعمته الرئاسة الأولى والمجلس النيابي ومجلس الوزراء الذي نادراً ما يلتئم بنصابه الكامل، فإذا ما حدثت أعجوبة الاكتمال كان لا بد من استنفار الصليب الأحمر وسائر هيئات الإغاثة استعداداً لطوارئ الاشتباك الذي يتوعد به الكل الكل عند دخولهم إلى القاعة ـ الحلبة!

لم يتوقف الرئيس الفرنسي عند موقفه من النظام السوري، بل تجاوزه وهو يعلن تقديم «مساعدة» قد لا تكون عظيمة التأثير ولكنها عظيمة الدلالة.. خصوصاً إذا ما استذكرنا أن «مؤتمر التعاون الإسلامي» الذي يضم في عضويته أكبر مجموعة من أهل الذهب الأسود والأبيض لم يخطر في بال منظميه ومخرجي مقرراته أن يتكرموا بتكاليف سهرة من سهراتهم الباذخة، أو وليمة من ولائمهم التي لا تجد من يأكل الطعام المكدس فيها ـ بأناقة ـ فوق الطاولات المذهبة!

في أي حال، لقد حصل كل واحد من أهل النظام، رجل دين أو رجل سياسة لا فرق، على صورة تذكارية مع الرئيس الضيف، قد تنفع في حملته الانتخابية (إذا ما قدر لهذا الشعب المنقسم على ذاته أن يذهب إلى تلك الصناديق السحرية التي قد تخرج نتائج مغايرة للأوراق التي أُسقطت فيها)…

أما الرئيس الفرنسي فقد عاد من لبنان مشوشاً مشتت الفكر تائهاً في قلب غابة الاستنتاجات التي تعكس حجم التكاذب اللبناني المشهور دولياً عند مطالبة المسؤولين بموقف محدد من أية مسألة، فكيف بالانتخابات عموماً، رئاسية ونيابية، وحتى بلدية واختيارية، إذا ما كان القرار بأيدي هذه الطبقة السياسية التي تكره فعل الانتخاب إلى حد تحريمه، مفضلة عليه ترك «الدول» تقرر لنا ما يلائمنا باعتبارها أدرى منا بمشكلاتنا وحلولها، بشهادة الرئاسيات منذ الاستقلال وحتى اليوم… فكم من المرشحين قد بات واحدهم «رئيساً» واستفاق ليسارع إلى تهنئة «خصمه» بعدما وقع عليه اختيار «الدول» الراعية للاستقلال والسيادة والديموقراطية في هذا البلد الأمين!

وقصر الصنوبر شاهد (تم ترميمه بعد دهر الحروب الأهلية/ العربية/ الدولية في لبنان وعليه) على مسيرة الاستقلال والسيادة والديموقراطية منذ أن وقف على بابه الجنرال غورو محاطاً بكبار رجال الدين والأعيان في هذا البلد الأمين ليقرر بنبرة اعتزاز قيام «الدولة اللبنانية»، التي يداهمها الارتجاج مع كل انتخابات رئاسية، فتهرب من الاختيار إلى ملجأ الفراغ الآمن، واثقة من أن شعبها العنيد قد اعتاد أن يدبر أموره بدولة لها رئيس ومجلس نيابي وحكومة، وكذلك بدولة بلا رأس وبمجلس لا يكتمل نصابه وبحكومة كلما تلاقى أعضاؤها عاش اللبنانيون هاجس انفجار الحرب الأهلية بسبب مخصصات رئيس هذا الجهاز الأمني أو ذاك باعتبار أن المسّ بالمخصصات هو مسّ بحقوق الطوائف بالعدالة في توزيع المغانم..

عشتم وعاش لبنان الذي يتحدى الطبيعة فيواصل حياته بلا رأس، مستمتعاً بهذه الفرادة الكونية!