عندما تخرج الخصومة السياسية من دائرة الاخلاق، والرسالية في العمل السياسي، ومن الحق في الاختلاف، وتتحوّل الى عداوة، وحقد كامل، ولغة سوقية لا تتضمن سوى القدح والذمّ والشتم والتخوين، وتزوير الوقائع، فهذا يعني ان سلّم الانهيارات في لبنان وصل الى اعلاه، وان الديموقراطية تعيش اياماً صعبة، وان رياح القمع المسلّحة بالقوة تهبّ على الحريات العامّة، وأن الانانيّات المبرمجة تزحف على الحقّ العام والمصلحة الوطنية، وان هناك شغلاً كثيراً ينتظر المؤمنين بقيامة هذا الوطن والعاملين من اجل ذلك، ليتمكنوا من شلّ التنانين العديدة المتربّصة شرّاً بهذا البلد.
لا اريد العودة الى ما قبل التمديد لمجلس النواب، ولا الى يوم التمديد، ولا الى ما دار قبله وبعده، بل سأتناول تحديداً الزيارة المميّزة بتوقيتها ورمزيتها واهميتها، التي قام بها الرئيس العماد ميشال سليمان لطرابلس، عاصمة لبنان الثانية، بعد نجاتها من مؤامرة خبيثة كانت تستهدف هويّتها الوطنية المعتدلة، ودورها الجامع للطوائف والمذاهب، وميزتها كمدينة العلم والعلماء، بعدما طهّرها الجيش والقوى الأمنية، من عناصر الشرّ والارهاب، ومن المرتزقة الذين عاثوا فيها خراباً وموتاً وارهاباً، وهذا الاهتمام بطرابلس ليس غريباً عن الرئيس سليمان، فهو في أثناء ولايته، لم يدّخر جهداً ولا مسعى ولا توجيهات ومواقف في مجلس الوزراء، ومع القادة الامنيين محاولاً انقاذ طرابلس مما كان يدبّر لها، وزعماء طرابلس ونوابها ورجال الدين فيها، يعرفون تماماً اهتمام سليمان ومحبته لهذه المدينة المناضلة، التي حاولوا اذلالها منذ عقود وفشلوا بفضل شعبها الطيّب، ولأن طرابلس تعرف من احبّها ويحبّها، كان للرئيس سليمان هذا الاستقبال الكبير المؤثر، شعبياً ورسمياً وسياسياً، شارك فيه الجميع، في جميع محطات هذه الزيارة التي لم تكن الاولى ولن تكون الأخيرة، لطرابلس ولغيرها من المدن والبلدات اللبنانية، ومن المؤكد ان نجاح الزيارة، كان السبب وراء هياج خصوم الرئيس سليمان وغضبهم، وبدلاً من ان يقوّموا الزيارة بالنقد الموضوعي ان هم رأوا او سمعوا ما لا يعجبهم او يرضيهم، عمدوا الى اختلاق قصص واحداث، وبنوا عليها حملة تضليل وافتراء، اثبتوا من خلالها انهم خرجوا من دائرة الخصومة الى دائرة العداء، وهذا عيب في مفهوم ممارسة السياسة النظيفة.
* * * * *
اريد هنا من باب الجدل، لا اكثر، ان اوافق على ما نشر واذيع، من ان موكب الرئيس سليمان الحاشد الذي كان يضمّ وزراء ونواباً وشخصيات روحية وزمنية، بالاضافة الى حشد من اهالي طرابلس الطيّبين، تعرّض الى رشق بحبّات من الليمون – على ما قيل – فهل ان ما حصل يسيء الى سليمان وصحبه والى الهدف من زيارته، ام انه عمل وسخ، من شخص مأجور في مدينة تعدادها ما يقارب النصف مليون مواطن؟ وهو عمل – اذا كان حصل – يشبه مئات الاعمال الحقيرة التي حصلت في العالم، وتناولت رؤساء عظاماً، وبابوات، ورؤساء حكومات وشخصيات ذات تأثير دولي، ولكن الفرق ان تعامل الغير مع مثل هذه الاعمال، يكون دائما لمصلحة المستهدف، وليس كما حصل في بعض وسائل الاعلام، من اختلاق حالة لم تحصل، ليتسلّقوا عليها ظناً منهم انهم قادرون ان يتطاولوا على انسان، ليس فقط كان قائداً للجيش ورئيساً للجمهورية، بل هو قيمة وطنية وانسانية واخلاقية كبيرة، وهو رجل سيادي بامتياز يقول كلمة الحق غير هيّاب، والاكثر من ذلك – وانا اعرف هذا الموقف منه شخصيا – وضع نفسه في تصرّف اي رئيس جمهورية يتمّ انتخابه، واضعاً تجربته وخبرته وصداقاته في خدمته من اجل مصلحة لبنان العليا وشعبه.
كل ما في لبنان ينحدر، بفعل سنوات عجاف طويلة أكلت من عافية هذا الوطن، ولكن ان يتحوّل الاختلاف في الرأي الى عداء وحقد، وخصوصاً لدى اهل السياسة واهل القيم والاعلام، فهذا يعني اننا نخرج من قواعد الانتظام العام، الى فوضى شريعة الغاب، وهذا الامر ان تحقق، لا سمح الله، فعلى لبنان السلام.