يستدعي تشكيل الحكومات قراءة للنصوص الدستورية التي تحكم التشكيل بعد أن تغلبت بعض الممارسات التي ترافقها على النص، وتصويب أحكام أخرى صريحة بعد أن أدت في مرات سابقة لتجميد عمل الدولة والمؤسسات.
فاستشارات تتم على مرحلتين، الأولى، للتكليف ويحكمها البند الثاني من المادة 53 ـ دستور وهي ملزمة في نتائجها ويجريها رئيس الجمهورية. والثانية، للتشكيل، ويجريها رئيس الحكومة الذي يُكلف بموجب نتائج الاستشارات الأولى. وهي إجراء دستوري أيضاً باعتبار ورود ذكرها في البند الثاني من المادة 64 ـ دستور.
وتشهد استشارات التكليف في معظم المرات بعض التجاوزات الدستورية عندما يشارك النائب فيها و «يترك» الحرية لرئيس الجمهورية تسمية من يراه مناسباً لتشكيل الحكومة. فمشاركة النائب صلاحية دستورية، وفي المبدأ لا تفوض تلك الصلاحيات، وإذا كان التكليف يتم على أساس من ينال العدد الأكبر من المشاركين فإنه بذلك يكون شكلاً من أشكال التصويت والمادة 45 ـ دستور منعت التصويت وكالةً بنص صريح جاء فيه «.. ولا يجوز التصويت وكالة». لذلك فإن من يفوض بالتسمية أو يوكل يكون قد «اقترع» بورقة بيضاء كما في أي جلسة للمجلس النيابي.
ولا بد من الإشارة إلى أن الورقة البيضاء في الجلسات العامة تكتسب قوة لأن من اقترع بها قد شارك في نصاب الجلسة الذي قد يكتمل بحضوره أما في استشارات التشكيل، فلا يكتسب التفويض أو التكليف مثل تلك الفعالية باعتبار أن تلك الاستشارات ليست محكومة بنصاب «فالحكم» لمن ينال أكثر.
ويرى بعض الدستوريين أن إنابة أحد النواب في استشارات التكليف عن حزب او كتلة أو تجمع لا يعتد بها أيضاً لأنها شكل من أشكال التفويض أو التوكيل ويرون أن الاستشارات التي جرت أخيراً أكدت ذلك عندما شارك نواب كتلة ما في الاستشارات «متحررين» من موقف الكتلة التي ينتمون إليها.
والأهم مما يمكن أن تثيره «الاستشارتان» هو ما بعدهما، أي إنجاز التشكيل وصدور المرسوم بذلك. فالمادة 64 ـ دستور ألزمت الحكومة التي تتشكل أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة «في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها». ولكن المشترع الذي فطن لهذا الموجب وحكمه بسقف زمني محدد، لم يطبق ما أقدم عليه على عملية تشكيل الحكومة ذاتها «فالرئيس المكلف» يمكن أن يستمر لإنجاز مهمته أشهراً عديدة وربما أكثر مما حصل في مرات سابقة وتداعيات ذلك تطال الوضع العام بأكمله لكون استمراره يعني تلقائياً استمرار الحكومة التي اعتبرت مستقيلة في تصريف الأعمال التي لا تستطيع العمل إلا «بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال» وفق ما جاء في الفقرة 6 ـ من المادة 64 ـ دستور. فلا رئيس الجمهورية يستطيع سحب تكليفه باعتبار أن التكليف جاء من الأكثرية النيابية، وهو أي المكلف يستطيب له المقام فيأسره ولا يحرره إلا بفك عقدة من يعقدون مهمته، ومثل هذا الأمر له أكثر من سابقة.
لذلك فإن عملية التكليف والتشكيل تستحق بعض التصويب وإن باتت لا تشكل تجاوزاً فاضحاً لا لعدم أهميتها بل لأن العادة وما هو أكبر منها قد أصبح روتينياً فاعتاده الناس وربما المؤسسات أيضاً.