IMLebanon

حول الموقف من اللجوء السوري إلى لبنان

 

 

منذ يومين عقد مؤتمر في جامعة الروح القدس حول مسألة اللجوء السوري إلى لبنان شارك فيه رجال دين من عدة مذاهب وسياسيون من عدة مشارب وخبراء واختصاصيون. المؤتمر كان بدعم من السفارة السويسرية في لبنان.

 

الواضح هو أن الكلام الذي صدر عن ممثلي الطوائف في لبنان كان متقارباً لدرجة التطابق، مع بعض التمايز الإيجابي لبعض المتحدثين الذين طرحوا الموضوع من شقه الأعمق وجوانبه الإنسانية. من جهتي كنت مدعواً لطرح وجهة نظر تيار “المستقبل” لقضية اللجوء السوري إلى لبنان.

 

على المستوى الوطني: نعتبر أن اللجوء السوري يمثل خطراً وجودياً على لبنان على مختلف المستويات الإجتماعية والاقتصادية والأمنية. لذلك فإن مسألة عودة النازحين إلى ديارهم هي أولوية قصوى لكل اللبنانيين بغض النظر عن انتماءاتهم. فلبنان لا يزال يعيش هاجس وجود اللجوء الفلسطيني على أرضه منذ سبعين عاماً وما شكله واقع هذا اللجوء من أزمات خطيرة ومدمرة لم يشف لبنان بعد من آثارها. والآن يبدو أن هذا الهاجس أصبح ثانوياً بالمقارنة مع حجم اللجوء السوري مرفقاً مع غموض آفاق هذا اللجوء في الوقت الحالي بغياب مبادرات جدية لتهيئة ظروف عودة، ولو جزء منهم، ما عدا بضعة عشرات الآلاف على مدى سنة، وإن بقينا على هذا المنوال فقد نحتاج لأكثر من عشر سنوات لعودة الجميع، وهذا مجرد فرضية عددية مع العلم أن معدل الولادات عند اللاجئين حسب التقارير يساوي عدد العائدين حتى الآن.

 

على المستوى الإنساني: نعتبر أن اللجوء السوري إلى لبنان بأكثريته الساحقة هو لجوء قسري تنطبق عليه صفات اللجوء المعتمدة في مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس فإن لبنان ملزم بقواعد التعامل مع هذا الواقع بناءً على القواعد المعتمدة من قبل الأمم المتحدة.

 

على مستوى المسؤولية الدولية: نحن ملتزمون بالإتفاقيات المرعية من قبل الأمم المتحدة حول مسألة اللجوء. ولا أعتقد أن بلداً مثل لبنان ينتظر أن تمد له يد العون الدولية لمساعدته على تجاوز صعوباته الإقتصادية قادر على تجاهل واجباته بخصوص مسألة اللجوء.

 

على المستوى السياسي: حسب المعطيات الواقعية، فإنه على الرغم من المتغيرات الميدانية الحاصلة مؤخراً في سوريا، فإن صفة اللجوء لا تزال قائمة على أكثرية السوريين اللاجئين إلى لبنان، فالوضع الأمني لم يحسم بعد والأمان السياسي لم يتحقق في سوريا، وهو إن كان ليس من مسؤولية لبنان، لكنه سيمنع عودة جزء كبير من اللاجئين على المدى المنظور. ولو نظرنا بعين الواقع إلى وضع النظام في سوريا لبدا واضحاً أنه غير مستعد في الوقت الحالي لإعادة الجزء الأكبر من اللاجئين لأسباب عديدة، بعضها أمني سياسي، والآخر مرتبط بالمسائل المتعلقة بتأمين السكن والخدمات في بلد يحتاج البدء بترميمه إلى مئة مليار دولار على أقل تعديل، ولا يبدو أن أحداً مستعد لتأمين ولو جزء بسيط من المبلغ في الوقت الحالي.

 

لقد جرى الحديث عن مبادرة روسية تلقفها رئيس تيارنا مباشرة للتنسيق مع الدولة الراعية للمبادرة، لكن بسرعة تبين أن هذه المبادرة الطموحة بقيت نظرية غير قابلة للتطبيق لأن القدرة على الإنطلاق بها تستند إلى تأمين مساعدات من دول لا ترغب بالمساهمة إلا بعد تبيان الوضع السياسي الذي سترسو عليه الأمور هناك.

 

العلاج: على لبنان، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة، أن يتعامل مع أمر اللجوء حسب الشرعية الدولية. وعلينا أيضا أن نتعامل بجدية مع الأمر وتوحيد الرؤيا الوطنية والتعامل مع المجتمع الدولي بشكل مدروس وحازم من حيث وضع هذا المجتمع أمام مسؤولياته. كما أنه علينا البدء بأسرع وقت في تجميع اللاجئين في أماكن محددة وتأمين الإحصاءات المفيدة والجدية حول الواقع الديموغرافي لهم.

 

إن واقع التناحر السياسي في البلد وكيل الإتهامات لبعضنا البعض منعنا من رسم سياسات لتنظيم هذا الوجود والسيطرة عليه بالحد الأدنى.

 

أما خارج ذلك، فيجب علينا التوقف عن حملة التشكيك بنيات بعضنا البعض بالنسبة للأكثريات والأقليات والحديث عن رغبة السنة، وبالتالي القيادة السياسية النابعة منهم، بإبقاء السوريين في لبنان لمجرد كونهم من السنة، ولو كان هذا الكلام صحيحاً لسعى هؤلاء إلى توطين الفلسطينيين على سبيل أولى.

 

نحن نتفهم الخشية الجدية من قبل مسيحيي وشيعة لبنان بخصوص المسألة للتأكيد على أنه خوف يشاطرهم به الجميع. السؤال المطروح هو هل كان الوضع نفسه لو كان اللاجئون من طوائف أخرى؟

 

يجب علينا التوقف عن سياسة تجريم الضحية واتخاذ منطق تجهيل المجرم وسيلة لفهم الأمور، وهو ما فعلناه ولا نزال بخصوص اللجوء الفلسطيني. الواقع هو أنه لا الفلسطيني ولا السوري تسببوا لأنفسهم ذل اللجوء ولا هم اختاروا أرض لجوئهم، بل أجبروا وقهروا والعلاج هو بتصحيح أسباب لجوئهم. أما نحن، فما زلنا نتعامل بشكل عنصري مع القضية كما اعتدنا التعامل مع بعضنا البعض في الداخل.

 

بواقعية واضحة، فنحن نريد أن يعود كل السوريين إلى بلدهم الآن وليس غداً وعندما نرفق الكلام بعودة كريمة وآمنة وطوعية تظهر الإشكالية بتحديد ما هي كريمة وما هي آمنة وكيف نترجمها بالطوعية؟ الطوعية تفرض أن ظروف العودة تمثل للاجىء خياراً أفضل حتى وإن كان الخيار شخصياً واعتباطياً وغير موضوعي.

 

لذلك فنحن نرى أن العودة الطوعية لأكثرية اللاجئين لن تتم مهما اجتهدنا إلا بركنين:

 

– حل سياسي في سوريا يؤمن الأمن الشخصي والسياسي للسوريين من مختلف مشاربهم.

 

– تأمين الحد الأدنى من المال لإعادة الإعمار هناك لتأمين الحد الأدنى للأمان الإجتماعي.

 

وكما هو واضح فالخياران تائهان حتى الآن.

 

(*) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»