ينقضي أول عقد على اغتيال رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري في خضم متغيرات وتعقيدات إقليمية متزايدة طفا على سطحها، مرحلياً، التطرف السنيّ الإرهابي المتميّز بدرجة من الهمجية ساهمت في تغييب الأسباب التي ولّدته وأججته ووسّعت دائرة المنضوين تحت لوائه من مختلف أنحاء العالم.
فالدعوة إلى الاعتدال باتت حاضراً شعاراً أساسياً في سبيل مواجهة أزمات المنطقة بما يذكر بطليعية الشهيد الحريري في هذا المجال عبر سعيه خلال سنوات ممارسته الشأن العام إلى تكريس الاعتدال على مختلف المستويات حتى يكون حاجزاً أمام أي تطرّف محتمل. وفي هذا ما يبرز أهمية شعار كمثل «يا معتدلي العالم اتحدوا» تيمناً بشعار «يا عمال العالم اتحدوا» كما ورد في البيان الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك أنجلز عام 1948..
وسابقاً تكاثرت الاتهامات ضد رفيق الحريري ممن لا يريدون أن يعود لبنان فاعلاً على الخريطة الدولية. ومن هذه الاتهامات أنه ركز على بناء الحجر في إشارة إلى مشاريعه العمرانية وتركيزه على مد شبكة طرق وجسور بعد انتهاء الحرب متناسين أنه استبق ذلك بتركيزه خلال سنوات الحرب على الاهتمام ببناء البشر عبر تعزيز طاقاتهم وقدراتهم إذ ساعد أكثر من 35 ألف شاب وشابة من مختلف الطوائف والمذاهب على إتمام دراستهم الجامعية داخل لبنان وخارجه، إضافة الى تعويمه مثلاً صروحاً علمية عبر شرائها وتطويرها وفي مقدمها ليسيه عبدالقادر عام 1985.
ولاحقاً طاولت الاتهامات والافتراءات الرئيس سعد الحريري من قضية شهود الزور التي أطاحت بحكومته رغم تعهد سابق بعدم الاستقالة منها، إلى مدّ الثورة السورية بالأسلحة، إلى دعم المتطرفين، وذلك من قِبَلِ من لا يريدون تقدّم الاعتدال ليكون التطرف سنداً رئيسياً يبرر تمددهم. وقد تبنى الحريري ركائز الاعتدال بغض النظر عن شعبوية مردودها خصوصاً في ظل عنجهية الطرف الآخر وتبجحه وسيطرته المقنّعة على معظم مفاصل الدولة. ففي إطار مقولة العبور إلى الدولة تمسّك الحريري بالدعوة إلى مساندة الجيش منذ أولى مواجهاته مع بيئة سنية من عبرا في الجنوب إلى طرابلس في الشمال إلى عرسال في الشرق، وصولاً الى مساندته الدعوة الى تبني قانون للزواج المدني الاختياري.
ومما يؤشّر على أهمية الاعتدال تجربة اللبنانيين الفريدة في المنطقة حيث يتشارك في السلطة مسلمون ومسيحيون من جهة ومسلمون سنة وشيعة من جهة. وهذا ما ساعد «قوى 14 آذار» على تخطي الأزمات التي واجهتها منذ الحلف الرباعي الانتخابي بين المسلمين عام 2005، إلى مشروع القانون الأرثوذكسي الذي يفوض كل طائفة انتخاب ممثليها حصراً، وصولاً إلى مشاركة بعض مكوناتها ومقاطعة آخرين إما لطاولة الحوار أو للحكومة الحالية «حكومة المصلحة الوطنية». فبعد عشر سنوات على تشكّلها والذي تصادف ذكراه بعد شهر واحد بقيت متماسكة على ثوابتها من التمسك بالسيادة والاستقلال والعبور إلى الدولة إلى دعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى المناداة بحصر السلاح بيد الشرعية إلى مطالبة «حزب الله» بوقف دعمه العسكري لنظام بشار الأسد. وكل ذلك في ظل فراغ في الرئاسة الأولى، الوحيدة في المشرق التي يعتليها مسيحي، والذي دخل شهره التاسع من دون أن يظهر في الأفق أي مؤشر على حلحلة قريبة، خصوصاً في ظل شبه توافق إقليمي دولي على إبقاء استقراره هشًّا لا تجتاحه النيران الإقليمية رغم استمرار الخلاف بين مكوناته على الأمور الأساسية.
ومؤخراً لخّص اختلاف التوجهات نائب «حزب الله» نواف الموسوي بقوله إن قتال حزبه إسرائيل حوّل لبنان من «بلد يقدّم خدمات (…) في المجال السياحي والمصرفي إلى بلد يعلّم المستضعفين كيف يبني عزته وكرامته بإرادته».