هناك ما هو غير مفهوم أبداً. أمضى البلد شهوراً طويلة وهو يحاول الخروج من مشكلة عسيرة، معضلة قانون الانتخاب. استطاعت القوى السياسية، وبشق النفس، بعد جهد جهيد، أن تتوصّل الى قانون يعتمد النسبية، في خمس عشرة دائرة، وبلوائح مقفلة، وبالصوت التفضيلي على مستوى القضاء، الامر الذي أظهره بمظهر القانون الصعب على الفهم والعويص، وكذلك القانون الذي يصعب توقع النتائج الانتخابية التي ستخرج منه.
بالتوازي، جرى التمديد للمجلس الحالي لعام اضافي. الذريعة التقنية تدعمت بصعوبة القانون. مرّ التمديد الثالث لهذا المجلس دون اعتراض ميداني واسع، وبدت البلاد تتحضر لاستحقاق العام القادم التشريعي.
قوى تبحث عن برنامج صالح لها، وعن الطاقم الأفضل عندها للاستحقاق، وعن معنى التحالفات بموجب القانون الحالي .. ثم .. بين ليلة وضحاها اختفى قانون الانتخابات والانتخابات من التداول، واتجه الحديث الى ملفَّي اللاجئين السوريين، والمجموعات الارهابية، دون ان يكون الدافع الى هذا الانتقال من محور الى محور في الكلام السياسي هو حصول جديد على هذين الصعيدين. افتُعل الحدث في غياب الحدث، وفي تغييب للورشة الانتخابية التشريعية.
ليس معنى هذا التهرّب مما يحصل اليوم ومن أخذ موقف وبلورة خطاب سياسي عملي تجاه موضوعات اللاجئين السوريين، وحقوقهم وواجباتهم على الارض اللبنانية، والتفاوض مع الامم المتحدة وليس مع النظام السوري، والتنبه من اي مغامرة ميليشيوية في شرق لبنان تتسبب بانتقال الحريق الاقليمي الينا، ولو كان ما تطرحه هو العكس، والتشديد على اهمية مكافحة المجموعات الارهابية، وعلى الالتزام بجادة حقوق الانسان في نفس الوقت.
كل هذا ضروري ايضاحه، وصقل الخطاب السياسي به، غير أنّ ما لا يمكن المكابرة عليه هو هذا الطابع غير الطبيعي، في الانتقال من ملف قانون الانتخاب الى هذه المسائل، بدلاً من التحضير للانتخاب، الا اذا كان ما نختبره اليوم هو الشكل الملتهب من المعركة الانتخابية.
والحاصل ان الامر بالفعل كذلك في بُعد من أبعاده. تسخين الوضع الانتخابي بإثارة قضايا يُفترض ان تكون سيادية، إنما منتزعة من اطارها السيادي.
الخطر هنا هو ان يتسبّب هكذا تسخين بالضرر بالنسبة الى تنظيم الاستحقاق نفسه.
لكن هذه النقلة من موضوع قانون الانتخاب الى موضوع اللاجئين والتفاوض مع النظام، ومسألة الربط بين المداهمات الامنية وبين التغطية القانونية والحقوقية لها، لا ينحصر في بعده الانتخابي الصرف. ومع الضغط من طرف «حزب الله» لفتح معركة جرود عرسال، يتضح اكثر انه يأتي في سياق تثمير ميزان القوى الاقليمية من اجل إيجاد واقع لبناني جديد يكون الحزب اكثر تحكّماً به من تحكميته الحالية.
ليس هناك حلول سحرية لمواجهة ذلك. وحده السعي إلى إعادة صياغة تقاطع سياسي بين القوى المتضررة من توسع سيطرة الحزب وإملاءاته، يمكنه ان يفي بالحاجة.