IMLebanon

في الطريق الى لبنان آخر

 

فتح قرار مجلس الامن الدولي حول اليمن البابَ واسعاً أمام الدخول في تسوية سياسية متوازنة. فالقرار الدَولي الصارم يهدف الى التعويض عن فشل العمليات العسكرية في تحقيق نقاط ميدانية، وبالتالي الدخول في مفاوضات سياسية تسمح بإنتاج شراكة سياسية على مستوى السلطة بنسبٍ متقاربة.

لا شك في أنّ الحوثيين ومعهم علي عبدالله صالح اخطأوا في تجاوز كلّ الخطوط الحمر والاندفاع بعيداً في مشروع السيطرة على كامل اليمن، ولا شكّ أيضاً في أنّ التحالف العسكري المشارك في «عاصفة الحزم» غير قادر على خوض عمليات برية خصوصاً بعد خروج باكستان وتركيا، وأنّ العمليات الجوية لا تبدو وحدها كافية لتحقيق انقلاب ميداني فعلي.

لكنّ هناك ما هو أهمّ من كلّ ذلك، وظهر بوضوح خلال الاسابيع الماضية. فعلى غير عادتها وسلوكها، ذهبت إيران بعيداً في مواقفها وهجومها على السعودية. وإلى جانب الحديث عن أنوف ستُمرّغ بالتراب، تردّد اكثر من مرة وعلى لسان مسؤولين ايرانيين كبار أنّ ما يحصل في اليمن سيرتدّ على الداخل السعودي.

وفي موقفٍ متزامن، أشار الرئيس الاميركي باراك اوباما الى أنّ الخطر على السعودية يكمن داخلها، في وقت حُكي الكثير عن بصمات أميركية في صدور القرار الباكستاني بعدم الانزلاق في الحرب اليمنية. وعلى رغم ذلك دفعت واشنطن بثقلها لصالح تأمين صدور قرار مجلس الامن.

الاستنتاج واضح: هناك مَن يفكر في إعادة ترتيب المنطقة ولكن على نار هادئة.

من البساطة والسذاجة في مكان الاعتقاد أنّ 11 عاماً من التفاوض بين واشنطن وطهران اقتصر فقط على البنود النووية المعلَن عنها. قد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة للمشاركين على طاولة المفاوضات، لكنّ الاهم يتركّز في البحث الذي كان ينشط في الكواليس المظلمة حيث يمكن الحديث بحرية وبلا ضوابط في الملفات الكبرى، التي ينتج التفاهم عليها إنضاج الاتفاق على النووي.

الخبير الاميركي التاريخي هنري كيسنجر قال للذين التقوه أخيراً في باريس: إنّ ادارة اوباما باتت جاهزة لإعطاء مساحة أكبر للنفوذ الايراني في المنطقة.

كلام كيسنجر واضح، خصوصاً إذا اضفناه على ما كتبه في كتابه الصادر منذ بضعة اشهر: إنّ الاتفاق مع إيران سيؤدي الى إنتاج خريطة جيوسياسية جديدة في الشرق الاوسط.

«وظيفة» الظهور الدموي لـ«داعش» كانت تدخل في هذا الاطار أيضاً. فالخريطة العراقية الجديدة بدأت بالظهور تمهيداً لظهور الخريطة السورية لاحقاً: كيان مستقل للأكراد ولو ضمن دولة تخضع حكومتها للنفوذ الإيراني، وصيغة حكم أقرب الى الفيديرالية تعطي للسنّة في المناطق الشمالية الغربية ما يشبه السلطة الذاتية.

وفي سوريا تتّجه المعارك المنتظرة لإنضاج خريطة النفوذ اكثر على الارض خصوصاً لناحية إحاطة الحدود اللبنانية بمناطق تخضع لنفوذ النظام، وبالتالي إيران، ما يؤمّن نفوذاً تلقائياً على لبنان. ومن هنا أهمية المعارك المنتظَرة في جبال القلمون الجيب الأخير المفتوح مع الحدود اللبنانية. أما في مناطق شرق سوريا فستكون مناطق سنّية تلاقي المناطق السنّية العراقية.

وفي جنوب سوريا ترتيب ينتج إعطاء إسرائيل شريطاً حدودياً ولو بطريقة مقنعة، أما في الشمال السنّي فمنطقة نفوذ سنّية تُعتبر منطقة نفوذ لتركيا، طبعاً كلّ ذلك سيكون قابلاً للحصول من خلال صيغة حكم تستند الى الفدرالية وتقاسم السلطة.

لبنان لن يكون منعزلاً عن التحوّلات الكبرى في المنطقة وهنا بات القلق خصوصاً بالنسبة الى المسيحيين، ذلك أنّ المشوار اقترب من نقطة المؤتمر التأسيسي.

كثيرون خصوصاً المسيحيون من بينهم، تعاطوا بلامبالاة وسطحية مع الكلام عن وجود اتجاه لدفع البلد نحو مؤتمر تأسيسي. وكما العادة غرق هؤلاء في الصراع على سلطة أصبحت سراباً، تماماً كما في العام 1988، حيث اختار قادة المسيحيين الفوضى واندفعوا وراء عناوين عامة ومصالح ما لبثت أن تبخّرت ليتقاسم غيرهم تركتهم السياسية من خلال إقرار اتفاق الطائف الذي نضج على دماء المسيحيين.

حسابات هؤلاء ترتكز على أنّ ولوج درب المؤتمر التأسيسي يجب أن يسلك الحرب مدخلاً إلزامياً له. وأنّ الفرقاء اللبنانيين لا نيّة ولا قدرة لهم للدخول في حروب داخلية تؤدي الى غالب ومغلوب وتأخذ البلد في النهاية الى تسوية سياسية ينتج عنها مؤتمر تأسيسي. صحيحٌ هذا الكلام، لكنّ هناك درباً اخرى غير الحرب وأصبحت حقيقة قائمة: تحلّل الدولة اللبنانية من خلال تعميم منطق الفراغ.

في لبنان أزمة رئاسية يرفض الموارنة إيجاد حلٍّ لها لإنقاذ الجمهورية الثانية. وفي العواصم الغربية صمت غريب ومريب يشبه الموافقة على استمرار الفراغ الرئاسي.

والعبارة السائدة لدى الديبلوماسيين أنْ لا انتخابات رئاسية في الافق. وقريباً جداً هزّة حكومية تؤدي الى فراغ حكومي.

تحلّل للسلطة يدفع حكماً في اتجاه مؤتمر تأسيسي في ظلّ التفاهم الاميركي- الايراني. وما نورده ليس تحليلاً، بل مداولات في الاروقة الديبلوماسية حيث يجرى تبادل افكار يشير بعضها الى صيغة لبنانية جديدة تلحظ مداورة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة بين المسيحيين والسنّة والشيعة.

وأن تشمل هذه المداورة أيضاً كلّ وظائف الفئة الاولى بما فيها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وهي فكرة كانت قد طرحت أواخر عهد الرئيس الياس الهراوي. ما يعني تطبيق المثالثة ولو من دون الاعلان عنها. والأسوأ أنّ زعماء الموارنة هم مَن دفعوا في هذا الاتجاه مستندين الى اوهام واحلام اليقظة واحقاد قاتلة.

قد يكون كلام النائب وليد جنبلاط عن تعديل بعض بنود اتفاق الطائف إنذاراً في هذا المجال، أو تلميحاً لما ستؤول اليه الامور، أو ربما صفعة لإيقاظ مَن يغرق في سبات الاوهام.