فقدت القمم العربية مع مرور الزمن ألقها وفاعليتها وقدرتها على التأثير في مجرى الأحداث والتاريخ، كما فقدت أيضا قدرتها على اثارة الاهتمام بها، ليس فقط على الصعيدين الاقليمي والدولي، وانما أيضا على مستوى الشعوب والرأي العام العربي. ومع ذلك، فقد كان لبعض القمم العربية دويها وأصداؤها المترامية، في زمن كانت فيه القمم تستمد زخمها من هالة بعض قادتها العرب التاريخيين. وغالبا ما كانت تجري تحضيرات محمومة في العواصم العربية تحضيرا للقمة المرتقبة، أيا كانت ظروف العلاقات بين بعض القادة العرب، سواء أكانت ايجابية أو فاترة أو متوترة. واليوم، يكاد ألا يشعر أحد، أقله في أوساط الرأي العام العربي، بأهمية انعقاد مؤتمر القمة العربي المقبل في المملكة الأردنية الهاشمية في أواخر شهر آذار / مارس الجاري بين الثامن والعشرين والتاسع والعشرين منه. ولعل السبب في ذلك يعود الى طغيان مشاعر السلبية واليأس في الشارع العربي من قدرة القادة العرب على احداث تغيير ايجابي يخرج الأمة من الويل الغارقة فيه…
تكفي المقارنة بين أول قمة عقدت للقادة العرب في انشاص في الاسكندرية عام ١٩٤٦، وآخر قمة لهم عقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ليدرك المرء حقيقة المسار الانحداري الحاد الذي اتبعه العرب قادة ودولا وشعوبا. والمؤتمر الأول دعا اليه الملك المصري فاروق، قبل تأسيس جامعة الدول العربية، وكان مجموع الدول العربية سبعا، وهي التي أسست الجامعة. والقرارات الصادرة من هذه القمة تبدو في جوهرها أكثر تقدما من المعايير السائدة اليوم في قواميس الأنظمة العربية الحالية. وكان من مقرراتها مساعدة الشعوب العربية على نيل استقلالها واعتبار فلسطين قلب القضايا العربية، واعتبار الصهيونية خطرا يهدّد فلسطين وجميع البلاد العربية والاسلامية، ووقف الهجرة اليهودية، واعتبار أي سياسة عدوانية لأميركا وبريطانيا ضد فلسطين بمثابة سياسة عدوانية للعرب جميعا. أما المؤتمر الأخير في موريتانيا فقد غاب عنه الرئيس المصري السيسي، والرئيس الفلسطيني محمود عباس بداعي وفاة شقيقه، كما تغيّب ثلاثة رؤساء دول عربية بداعي المرض. وتنعقد القمة الجديدة في الأردن، وست دول عربية في أوضاع كارثية، بين صومال مفتت، وسودان مقسّم، وليبيا غارقة بالدماء، وسوريا مهددة بالتقسيم، وعراق يعاني لتحرير نفسه من الارهاب والهيمنة الخارجية، ويمن مجهول المصير.
أكثر من ذلك: لم تعد فلسطين قلب القضايا العربية. والشعب الفلسطيني منقسم على نفسه ودون قيادة موحدة، والعرب يقاتلون عربا، والمسلمون يقاتلون مسلمين، وتحولت اسرائيل من عدو غاصب، الى صديق مستتر الى درجة مكشوفة، ولو الى حين! وللحديث صلة.